تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)، هذه الآية أطال الله فيه التفصيل في الاستجابة لهذا الدعاء العظيم وقلنا سابقاً أن الله سبحانه وتعالى علّمنا في هذه السورة كيف ندعوه وأن على المؤمن أن يكثر من الدعاء بهذا الدعاء وأفضل دعاء دعاء القرآن وأفضل ما يدعو المؤمن به هو هذا الدعاء الذي علّمنا إياه الله سبحانه وتعالى في كتابه لأنه سبحانه أعلم بنفسه وأعلم بخلقه.

نقف وقفتين مع هذه الآية: أولاً سرعة استجابة الله لدعاء المؤمنين. كثيراً ما نسمع الناس تقول إننا ندعو ولا يُستجاب لنا في حين أن الله سبحانه وتعالى أشار في كتابه أنه سريع الاستجابة فقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) بمجرد الدعاء فإنه يستجيب لك لكن ليس بالضرورة أن تكون الاستجابة هي تحقيق ما تدعوه به وإنما ذكر العلماء أن الداعي لا يخلو من حالات إما أن يستجيب الله دعاءه فينفذ له ما طلب وإما أن يصرف عنه من الشرّ بقدر ما دعا به من الخير وإما أن يُرجئها الله سبحانه وتعالى له إلى الآخرة وهي أعظمها ولذلك قال الشافعي رحمه الله لرجل يقول أنه يدعو الله ولكنه لا يستجيب:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولم تعلم بما صنع الدعاء

سهام الليل لا تُخطئ ولكن لها أجلٌ وللأجل انقضاء

النقطة الثانية في قوله سبحانه وتعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى وهو السيد وهو المالك وهو المتصرف أنه لن يضيع عمل عامل وأنك مهما عملت من عمل صَغُر أو كبُر فأنك سوف تجزى به ولذلك قال (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الزلزلة) وذكر في مواضع كثيرة في كتابه دقة الميزان (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء) (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) هذا فيه طمأنينة للمؤمن وهو يدعو الله سبحانه وتعالى وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى تكفّل أن لا يضيع عمل عامل منكم، وهذا فيه تطمين للعبد لأنه من أشد ما يؤثر على العامل أنه لا يطمئن إلى الجزاء، العامل الذي يعمل في أحد المؤسسات ولم يستلم راتبه كيف تكون حالته وكيف تكون نفسيته؟! يقول حقوقي مضيّعة؟! ولكن عندما يأتيه ضمان بأن حقوقه محفوظة، وهنا الضمان من الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران).

لعل هذا تكملة لقوله تعالى (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ (195)) هذا تأكيد وأن وعدي لكم بأن أجزيكم خير الجزاء وأنصركم على أعدائكم وأورثكم الجنة يوم القيامة أن ذلك لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى وكل عمل قدمتموه لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) محمد) بمعنى لن يضيع أعمالكم. ولو تأملنا هذا التطمين الرباني لهم يجعلهم بالفعل يعملون حتى لو العمل الصغير والله سبحانه وتعالى لا يحقر العمل الصغير وقال صلى الله عليه وسلم (لا تحقرنّ من المعروف شيئاً) أي شيء يعمله العبد فيه خير فإنه سيعود عليه بالنفع والخير ولذلك الذي قطع غضن شجرة كانت تؤذي الناس أدخله الله سبحانه وتعالى به الجنة وهو عمل يسير لا يؤبه له.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير