تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في التفصيل لما قال تعالى (لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم) وهذا واضح أنه للجميع لكنه قال (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) وبتقليب النظر في ذكر الذكر والأنثى أو المؤمن والمؤمنة قصداً في بعض الأمور قطعاً يكون لحكمة (ذكر وأنثى) (مؤمن ومؤمنة) (والمؤمنون والمؤمنات) تحتاج لوقفة وتأمل ولعل أحداً يصل فيها إلى الحكم في هذا الموضوع.

لما سألت أم سلمة الرسول صلى الله عليه وسلم لا نجد للنساء ذكراً (وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ (32) النساء) وقيل أنها نزلت فيها كل الآيات التي ذكرت النساء والرجال، قالت ما لي أرى الله يذكر الرجال ولا يذكرنا؟ فأنزل الله تلك الآية والآية في سورة الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ (35) الأحزاب) فذكر هؤلاء جميعاً مع الرجال. وهذا يدل على أن التساؤلات مشروعة وهذه المرأة النبيهة سألت هذه التساؤلات المشروعة وجاء بعدها استجابة. ونرى فائدة في قوله تعالى (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم) هذه شاملة ثم جاء (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) تنبيه على أن الجزاء سواسية ليس فيه تفاضل، أنتم سواء في الجزاء لا تؤثر الذكورية في زيادة أجر الذكر على المرأة ولا تؤثر أنوثة المرأة بنقص في الأجر ولهذا نقول أن هذا من الجوانب التي يجب أن ننتبه لها أن الرجل والمرأة يكونون في أمور على حد سواء وأحياناً يكون للرجل حال وللمرأة حال ولكن الغالب أن حال الرجل أفضل من حال المرأة هذا بتفضيل الله سبحانه وتعالى وليس تشفّياً وهذه القاعدة العامة والغالبة عند جميع الناس فالاستثناءات التي تحصل أحياناً في العالم، إمرأة تملك بلاد أو امرأة تملك وزارة أو امرأة مسؤولة عن رجال فهذه تعتبر شواذ لأن الأصل الغالب أن يكون الرجل هو المقدم. فلعل المقصود أنه لا يؤثر الجنس ذكر أو أنثى في قضية الجزاء عند الله سبحانه وتعالى.

في حديث أم سلمة يقول القرطبي في تفسيره "وروى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أُم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى?: {فَ?سْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى?} الآية. وأخرجه الترمذي".

من فوائد هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى خصّ العمل وذكر مثالاً ل‘مال الصالحة التي تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، فعممّ في الأول (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) فدخل فيه كل عمل صالح يعمله إنسان من ذكر أو أنثى فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيعه، لكنه ذكر مثالاً على هذه الأعمال الصالحة وكأنها من أعلى الأعمال الصالحة فقال (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ) ذكر الهجرة، (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) وليس سهلاً على الإنسان أن يخرج من دياره بطواعية، ولذلك نقول لإخواننا الذين شُرّدوا من ديارهم في كل مكان: هل تتوقعون أن أجركم كأجر غيركم؟ أنتم على أجر عظيم إن صبرتم واحتسبتم. ولذلك انظروا إلى إخواننا في فلسطين وأفغانستان والعراق وفي كل مكان كيف شُرِّدوا من ديارهم فلا يعرف الهمّ إلا من يكابده ولا المرارة إلا من يعانيها، فليس سهلاً أن تسمى لاجئاً لكن الله سبحانه وتعالى قد خصّك بأجر فقال (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) ليس سهلاً أن يخرج الإنسان من دياره بطواعية، وقال (وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي) لذلك نحن نذكر الإخوة الذين أخرجوا من ديارهم أن يحتسبوا الأجر عند الله سبحانه وتعالى أن لا يتسخطوا على قضاء الله وقدره فأن الله تعالى بقدر ما ابتلاهم بهذا البلاء في الدنيا فإنه قد أعد الله لهم من الأجر ما لم يعده لمن بقي آمناً في وطنه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر النِعَم قال: " من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " والشاهد قوله " آمناً في سِربه". وهؤلاء الذين ذكرناهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير