النابغة:
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
إصبر فعل أمر وصابر فعل أمر أيضاً ولكن هذا من المفاعلة التي تدل على أن هناك من يقابلك.
ثم قال (وَرَابِطُواْ) الاستقامة يمكن للإنسان أن يصبر ويمكن أن يصابر في مواقف لكن أن يرابط عليه ويدوم حتى يلقى الله ويتوفاه مع الأبرار هذا موطن الخلاف بين الناس ولذلك (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا (30) فصلت) ثبتوا على طاعة الله، وهذه الآية أصل في المرابطة على طاعة الله وفي سبيل الله والمرابطة ليست مقصودة فقط في الجهاد وإنما هي عامة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى. يا رسول الله! قال " إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط". وليس في حديث شعبة ذكر الرباط. وفي حديث مالك ثنتين " فذلكم الرباط. فذلكم الرباط. الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 251، خلاصة حكم المحدث: صحيح " هذا رباطٌ صالح لكل أحد.
(واتقوا الله) قد يصبر الإنسان ويصابر ويرابط لكن لا يتقي بمعنى أن الإنسان قد يختل المنهج أو الميزان أو المحرك لهذه الأمور فقد يرابط لأنها حميّة لوطنه أو لأهله، لا، إتقِ الله، إجعلها لله، واجعل الحامل لها هو الله ولذلك قال في الآية التي قبلها (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120) آل عمران) وقال (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران) الصبر لا ينفع إذا كان مجرداً من التقوى ولا يجزى عليه الإنسان فلا بد من صبرٍ يكون الحامل عليه هو التقوى فقد يقع صبر بلا تقوى. وكأن هذه الآية لخصت السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ) تذكير بالأوامر التي ذكرت كلها الصبر على الجهاد والصبر على الخروج من الوطن والصبر على الأذى وعلى ما يلقونه من المشركين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ) فيها إشارة إلى ما تجده من العناء والمعاندة (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ (104) النساء). و (وَرَابِطُواْ) فيها معنى الملازمة والرباط والطاعة في الجهاد.
(وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ولذلك كما بدأت سورة البقرة بالفلاح ولذلك نربط بين الزهراويين ونحن نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربط بينهما، قال السيوطي: ما وجدت سورتين متتاليتين إلا وجدت مناسبة بين آول الأولى وآخر الثانية وذكر مثالاً لذلك البقرة وآل عمران وذكر عدداً من السور، خاصة التي يقرن بينها النبي صلى الله عليه وسلم.
في قوله (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الفلاح مأخوذ من فلح الأرض لأن الفلاح يشق الأرض لكي يستنبتها ويخرج منها الزرع كأن فيها إشارة إلى هذا المعنى أن ما تقدموه فإنه يكون في النهاية رادّاً لك كما يفعل الفلاح فيرتد إليه خيرها.
أفضل ما كُتب عن سورة آل عمران في كتب التفسير:
كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب من الكتب المميزة التي تكلمت عن هذه السورة وفيما يتعلق بمعركة أُحد بالذات والحديث عنها.
مراجعة كلام إبن القيم رحمه الله في زاد المعاد عندما تحدث عن الحِكَم المستنبطة من غزوة أُحد فهو ذكر حكماً عجيبة استنبطها من الآيات وغالب ما استنبطه من الآيات وأفرد لذلك فصلاً في أربعين أو ستين صفحة موجود في زاد المعاد.
وحضرت لشيخنا العلامة ابن عثيمين تفسير هذه السورة ليس كلها ولكن جزء منها وقد طبع في مجلدين فمن أراد أن يقرأ ما في هذه السورة من حكم وفوائد واستنباطات فعليه أن يقرأ ما ذكره الشيخ رحمه الله في تفسير ذلك.
وما كتبه ابن كثير في هذه السورة كلام رائع جداً جدير بالقرآءة.
ومنهم من أفرد هذه السورة بالحديث أذكر منهم الدكتور مصطفى الشكعة له كتاب تفسير سورة آل عمران
وكتب كثير من المعاصرين في تفسير السور
والتفسير الموضوعي للسور وقد أُشبعت دراسة وكتب عنها الأستاذ عبد الحميد طهماز ضمن سلسلته في التفسير الموضوعي.
سورة البقرة وآل عمران مع طولهما إلا أنهما يتميزان بكثرة المعاني وبسهولة الحفظ، فيهما سهولة بالغة ونوصي بحفظها.
بمناسبة انتهائنا من هذه السورة نكرر أن بعض السور نبّه النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها أو نبّه عليها بفعله صلى الله عليه وسلم فتكون من باب الأحوال التي كان صلى الله عليه وسلم يقوم ببعض السور أو بعض الآيات فمن الحسن أن يتعلم المسلمون معاني هاتين السورتين لأن بهما فضل كبير جدا جداً وكثير من المعاني.
محاور الحلقة:
- ذِكْر الذكر والأنثى أو المؤمن والمؤمنة قصداً لحكمة
- سبب نزول قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى (195))
- عظيم أجر من أُخرِج قهراً من وطنه
- قاعدة التخلية قبل التحلية
- مدار الأخلاق على الصبر
- مناسبة نسبة الثواب للألوهية
- التيه والضياع الحقيقي هو الصلال عن الهداية
- قوله تعالى (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ)
- سبب ارتداد جبلة بن الأيهم عن الإسلام
- الاستدراك حاليّ في قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)
- الفرق بين الصبر والمصابرة
- الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أصلٌ في المصابرة
- المناسبة بين أول السورة مع آخر السورة المقارنة لها
- أفضل ما كُتِب عن سورة آل عمران
انتهت بحمد الله تأملات سورة آل عمران.
¥