تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

طيب، ما مناسبة النّهي عن قطيعة الرَّحم في هذه الآية؟ المناسبة كما ذَكرها أحد الطُّلاب وأنا أشيد به، وهو أحد طلابي في مرحلة الماجستير وهو الأخ: عبدالله بن سعود الحربي، كنت أعطي الطلاّب فكرة، كنت أدّرسهم مادة أحكام القرآن، فقلت لهم يا إخواني لا نريد أن نكرر الكلام، ونريد أن نأتي بشيء مفيد جديد في تدريس آيات الأحكام، فكنت أقسِّم على الطلاّب القرآن الكريم بحيث كل واحد منهم يأخذ جزء منه، ويستنبط منه فوائد. لأنَّ المقصود بآيات الأحكام هو استبناط الآحكام منها، فكان من نصيب الأخ عبدالله أول سورة النّساء إلى آيات محددّة، فربط بين النَّهي عن قطيعة الرحم وبين دلالة بثّ في الآية نفسها، وقال إن ّ سبحانه وتعالى قال: وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء. وكلمة "بثّ" فيها دلالة على الانتشار، وانتشار بني آدم، وذرّية بني آدم في الأرض مظنّة قطيعة الرّحم، حتى اليوم، إذا ذهب أحدهم إلى الرياض مثلاً، والآخر إلى كندا، والآخر إلى أوروبا وهم أبناء رجل واحد، فإنّه لبعد المسافات وانشغالهم، فهذا مظنة قطيعة الرحم، فجاء الأمر في نفس الآية: بصلة الرّحم فقال: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " أن تقطعوها، " إن الله كان عليكم رقيبا"،فأنا وجدت الحقيقة مناسبة جميلة جدا بديعة لم أجد من نبّه إليها، وهي الصّلة: لماذا جاء الأمر بصلة الرّحم في الآية: وهي لمناسبة قوله" "وبثَّ منها رجالاً كثيراً ونساء".

د. الطيّار: أيضًا من الفوائد المهمة جداً، لما قال:" الذي خلقكم من نفس واحدة" وهي مبدأ السواسية، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أكّد هذا المعنى: كُلُكم لآدم، وآدم من تراب. وقال: لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

فهذا مبدأ كأنّ الآية تشير إليها، وبناء على هذا فالحقوق التي بينكم أنتم فيها أيضاً سواء، لا يتمايز في هذه الحقوق واحد عن آخر بسبب نسب أو حسب، فالحقوق كُلّها تُنزَّل على هؤلاء جميعاً بدرجة واحدة، ليس هناك تفاضل أبداً في هذه الحقوق، وفي الحقوق المالية بالذات الفقير، والغني، والحسيب وغير الحسيب، والشرّيف والوضيع. كلهم سواسية في هذا الحكم وأنا أذكر من اللطائف ما يتعلق بقضية السواسية، أنّ العقل أحيانًا يَتصوَّر إدراكاً معيّناً، ولكنّه لا يكون هو الصّواب لأنّ لله حكم غائية قد تكون غائية عن هؤلاء الأشخاص، وأنا سأذكر حادثتين للحِكم الغائية.

الحادثة الأولى: إن لم أكن أهِم سمعتها من الدكتور محمد، وهو أنَّ الشَّيخ بن سعدي رحمه الله تعالى و كان قاضياً يقضي، ليس هناك محكمة، وإنّما يقضي في بيته ويأتي النّاس يتخاصمون، فجاء اثنان من البادية ومعهم طفل صغير، في قماش، وكان لهم أب وهم يرعون ماشيته، هم الذين يُشرفون على مال أبيهم بعد أن كَبِروا، وزوّجوا أباهم عن كِبر، وجاء بهذا الولد، ولمّا جاء أمر هذه التركة سمعوا هم أنّ حق هذا الطّفل الرضيع مثل حقّهم سواء، فالعقل البشري ما أدرك الحكمة الغائية، ونظر إلى قضية أنا تعبان أين حقّي، فجاءوا للشيخ ابن سعدي يسألونه هل بالفعل هذا حكم الله، وقصّوا عليه القصّة، فهل بالفعل حقّه مثل حقنا ونحن تعبنا وفعلنا وفعلنا قال: نعم، وذكر لهم الآيات، فقالوا: رضينا بحكم الله ورجعوا. فإذا هذه حكمة غائية، أنت لا تُدركها الآن، ولهذا دائماً نقول إذا نحن حكّمنا العقل دون الشّرع ولم نجعل العقل تبعاً للشرع فثق ثقة تامّة أنّه سيقع أخطاء كثيرة جدّاً.

د. الشهري: أنت ترى أنّها مخالفة للعقل والحكمة الإلهية ترى غير ذلك.

د. الخضيري: انظر إلى هذا، وتأكيده في قول الله " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّاً أو فقيراً فالله أولى بهما". لا تشهد للفقير لأجل فقره، تقول والله لأنّه فقير سأشهد له ولو كان جائراً، أو لن أشهد عليه أخشى أن أزيد مشكلته مشكلة، لا، يعني مبدأ السَّواسية الذي ذكره الدكتور في أن يُعامل النّاس بالفعل، حقوقهم تثبت سواء كانوا أغنياء أو فقراء، صغار أو كبار، ذكور أو إناث، مبدأ يُؤخذ من قوله تعالى: "من نفس واحدة ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير