تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. الشِّهري: وهُوَ كَمَا تفضَّلت أنّها من الأخلاق المذمومة حتى في تعاملات النّاس، لو جلست مع شخص وهُو يقول أنا أذكى واحد في دُفعتي! أنا الأوّل! أنا الوحِيد الذِّي أخذت ممتاز! ولذلك أذكُر ونحن في الابتدائية كان هناك قصّة دُبّ أظن، أو قصّة رجُلين واحد منهم يمدح نفسه، وأنّه شجاع، وأنّه يستطيع ان يُقاتل الأسد وبينما هو في هذا الموقف، جاء دُبّ فهَرَب هُو وصاحبه إلى أعلى الشَّجرة خوفاً من هذا الدُّب فقال له صاحبه هذا – حِكمة جميلة جِدّاً ما زلت أذكُرها للآن وإن كنُت نسيت التفاصيل – قال: مادِحُ نفسه كَذَّاب، لا يُصَّدَق ولا يُعتمد عليه. الإنسان الذّي دائمًا يستعرض قُدراته وعَقلياته باللّسان.

د. الخضيري: سبحان الله! تأتي الوقائع والأقدار تُكَذِّب ذلك ويُبتلى، لذلك قال الشَّاعر:

إحذر لسانك أن تقول فتُبتلى إنَّ البلاءَ مُوَّكّلٌ بالمنطق.

يأتي الوَاحِد ويقول أنا أصلاً ما أخاف، أنا إنسان دائماً إذا جاءت المواقف الجَادّة أكون أوّل إنسان يُجيب الدَّاعي، ويُغيث الملهوف، في نفس اللّحظة يُبتلى، ثُمّ يَبين للناس أنه خِلاف ذلك!.

د. الشِّهري: ولذلك الذّي يُزَّكي الإنسان هو عملُه، أنت إعمل واجتهد في تزكية نفسك بالعمل الصَّالح، واسكُت، وسيُثني عليك عملُك. (وقُلِ اعملوا فسَيَرى الله عَمَلَكُم ورسوله والمؤمنون وسُتَرَدُونَ إلى عالم الغيب والشَّهادة فيُنَبئكُم). وليس هناك داعي أنّك تدَّعي وتستعرض دائما أنّك الفاعل التَّارك إلى آخره. لذلك حتى نُهينا عن المدح – لاحِظ سبحان الله العظيم- نهينا أنَّك تمدح الإنسان في وجهه فتقتُله بهذا، فكيف أن يُثني هو بنفسه على نفسه هذا أشَّدُ قُبحاً. أليس كذلك؟!

د. الخضيري: ولذلك أنا أقول الحقيقة للدَّاعية مثلًا، لا تبدأ بالنّاس عندما تأتي إليهم بأن تذكُر لهم ما عِندك من الخِصال والأَعمال، هذا يَمُجَّه النَّاس بطبيعتهم، إحرص على أن يكتشف النَّاس ذلك ليس من قولك، وإنّما من فِعلك، اجتهد معهم في الخُلُق الفاضل، قَدِّم، إخدم، أحسِن، أكرِم، سيَكتشف النَّاس تلك الخِصال ..

ومهما تكن عند امرئٍ من خَليقةٍ ما خَالهَا تَخفَى على النَّاس تُعلَمِ.

بعض النّاس يجتهد في أن يُظهر العمل للنّاس، ويُحاول كذا بطريقة أو بأخرى، أو يُمَثِّل أمامهم من أجل أن يخدعهم والله سيكشفُه الله! ولذلك إن كان عندك من خُلُق وإن كُنت تُخفيه سيُظهِرُهُ الله، لأنَّ العَمل الصَّالح مثل الطِّيب لا بد أن تفُوح رائحته، لو معك قارورة طيب، أو قِطعة طِيب سَيَبين أثرها وإن لم يَرَها النّاس، يَشُّمَها النّاس من أيّ مكان.

د. الطيّار: أنا أتعجّب من البعض، أنا سمعتُه من أحدهم يقول أنا استوى عِندي التِّبرُ والتُّرب! يعني إن أُثنِيَ عليَّ ما ضَرَّني. أنا أقول هذا أحد أمرين: إمَّا أنَّه وَصلَ من الحُمق بحيث لا يُبالي ولا يُفَرِّق، وإمَّا أنَّه أراد أن يُثني عَلى نفسه من حيث لا يشعر لأنَّ هذا نَّوع في الحقيقة من الثَّناء على النَّفس، لو أنت تأمّلته هو نوعٌ من الثَّناء على النَّفس وهو والله أنَّه استوى عندي المدح والقَدح، ليس بصواب، وحينما يُوصف بعض النَّاس هذا ليس بحقيقة ولا يمكن إطلاقاً أن يكونَ موجوداً. فهذا نوع من التَّعبيرات التي تَدُلّ على قضية أنَّه أراد ان يَنفِيَ عن نفسه أنّه يُزَّكيَ نفسه وهو في النِّهاية يزكّي نفسه بهذه العِبارة.

د. الخضيري: طبعاً هذا يَجُرنا إلى حديثٍ آخر – وإن كُنّا نريد أن نختم به الحقيقة- وهُوَ مَدحَك وتزكيَّتك للآخرين، نقول إنَّ هذا أيضاً ينبغي أن يُعامَل مُعاملة على حَسَب الضَّوابط الشَّرعية. بمعنى تُزَّكي الآخر إذا كان في غَيبته، وتمدح الرَّجل أيضاً في وجهه إنِ احتاج الأَمر إلى ذلك دون أن يكون ذلك ديدناً لك، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم: اُحثُوا في وجوه المدَّاحين التُراب ولم يقل (المادحين) أيّ الذِّين يُكثِروُن. بِالعَكس النَّبي صلى الله عليه وسلم ثَبَت عنه أنَّه مَدَح عَددًا من الصَّحابة بمدائح جَميلة، شَرُف بها هؤلاء الصَّحابة، وكانت سبباً لاِقتداء غيرهم بهم بما مُدِحُوا به، وخُصوصاً إذا كان لهذا المدح معنى، وكان له أثر عملي على الآخرين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير