وبيّن أنهما أهم وأعظم أصول الكفر يعني ما كان كفرٌ إلا بهما, الكِبْر والحَسَد, الكِبْر يمنع الإنسان عن قبول الحق, وكذلك الحسد يعني يتفرع منه فيحذر الإنسان من أن يتخلق بهذا الخلق أو يحصل عنده -نسأل الله العافية- شيء منهما فإنه يمنعه هذا الخير العظيم قبول الحق والدعوة إليه والإيمان به وإلى آخره
د. الطيار: لعلنا نبتدئ إذن بقول الله سبحانه وتعالى وهو مقطع جديد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا). طبعاً قوله (إن الذين كفروا بآياتنا) لو أردنا أن نربطها بالمقطع السابق, نلاحظ المقطع السابق أغلبه في اليهود ولا شك أنّ اليهود ماذا؟! كفّار، فلمّا قال: (إن الذين كفروا بآياتنا) واليهود ممّن كفر بآيات الله كأنّها إشارةً إلى عذاب هؤلاء اليهود أولاً, وإلى من اتصف بالكفر ثانياً, قال (سوف نصليهم ناراً)
د. الخضيري: لأن فيها الحكم عليهم بالكفر
د. الطيار: وفيها أيضاً حكم عليهم بالكفر
د. الخضيري: لأنه لم يقل (إنهم) وإنما أظهر في موطن الإضمار إذا قلنا أنها في اليهود
د. الطيار: قال (سوف نصليهم) وهذا يدل على الاستقبال ودال على البعد فرق بين "سـ" و"سوف" نصليهم ولمّا قال: (سوف نصليهم ناراً) سبق أن أخذنا معنى الصلي في النار وهو الدخول على سبيل الشيّ أنهم يشوون فيها
د. الخضيري: يعني يدخلون فيها ويُقاسون حرّها
د. الطيار: ويقاسون حرها نعم, وقال (ناراً) ونكّرها للتعظيم والتفظيع والتهويل
د. الشهري: ناراً عظيمة
د. الخضيري: وأيضاً فظّع هذا الأمر -إذا صحّ هذا الفعل فظّع-, سوف "نـ" النون
د. الطيار: نون العظمة
د. الخضيري: أي من فعل الله عز وجل وهذا يدل على شدة ما سيكون لهم من العذاب!
د. الطيار: هذا أيضاً صحيح, هنا الآن قال يعني جاء بالعموم, ثم ذكر نوعاً من العذاب الخاص متعلق بالجلود, قال (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ولعلّ الدكتور عبد الرحمن يُعلِق على هذه
د. الشهري: طبعًا هذه الآية جاءت أشبه ما تكون بقاعدة يعني لكل ما تقدم, الله سبحانه وتعالى ذكر صفات الكفار وذكر صفات اليهود وذكر أخلاقهم وحذّر منها وذكر الذين آمنوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام واستجابوا لدعوته ودعوة أبنائه من الأنبياء حتى نبينا صلى الله عليه وسلم، وذكر الذين يصدون عنها من هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين عرب وغيرهم, ثم ذكر خلاصة قال (إن الذين كفروا) من كل هؤلاء الأجناس ومن كل هؤلاء الأمم وممن سيأتي فيما بعد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) كما تفضلت عظيمة (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) ذكر يعني هذه الصورة التي تُقرّب شدة العذاب لعقولنا نحن البشر, والإنسان منّا إذا مسته النّار فالذي يحترق هو جلده هو أول ما تمسّه النّار تمسّ الجلد, وأول ما يلسعه الشيء من الألم هو الذي يصيب الجلد لأن الجلد هو الذي يحتوي على خلايا الإحساس، مراكز الإحساس فيقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) يعني الآية واضحة في فكرة التعذيب أنّ الله سبحانه وتعالى يُصليهم على النّار ليُقاسوا حرّها كما تفضلتم, فإذا نضجت الجلود وأصبحت لا تؤدي الغرض من الإحساس بالألم قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا). الآية واضحة أنّ الله سبحانه وتعالى يُغيّر الجلود تماماً, قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا). مع العلم أنّك الآن عندما تقرأ في بعض الكتب يقولون لا يُبدّل الجلود وإنّما تتغير تركيبة خلايا الجلد لكي تصبح متجددة يعني أولاّ مثل هذا الذي في النار وفي الجنة من أمر الغيب المطلق لا يمكن أن تطّلع، لا يدخله القياس وإنما هو أمر غيب مطلق لا نعرف منه إلا ما أطلعنا الله عليه فقط أليس كذلك؟! الله يقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) لماذا يا رب؟! قال (لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) فيكفي أن نستنبط من هذه الآية معنى أن الله نصّ على الجلود لأنّ هي التي يكون فيها الإحساس بالألم أشد فقط هذا يكفينا, وفيها إشارة إلى شدة العذاب الذي يُقاسيه الكافر في النار
¥