تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يُعَدُّ ابن حزم الحسن مصدراً للمعرفة الإنسانية وسبيلاً موصلاً إلى النفس علماً أن العلاقة بينهما علاقة تأثر وتأثير، فإن عرض للنفس ما يشغلها عجزت الحواس عن أداء دورها المنوط بها1. ويلزم عند تعطيل دور الحواس تعرض صاحبها للخطأ في إصدار الأحكام، فقد يعتريه هيجان الصراء فيجد الحلو مراً، ومن في عينه ابتداء نزول الماء فيرى خيالات لا أصل لها2. ولما كانت الأحكام الناتجة نسبية كان لا بد من الاستنجاد بالعقل الذي أعطاه ابن حزم مكانة لائقة بقيمة الذي كان البارئ رسمه بها دون أن يطلق له العنان مثلما فعل غيره في أن يتعرف المجهول الغائب، وليس أدل على ذلك من استنجاده به حين يعوزه الدليل النصي في رد أقوال أهل الكتاب فكثيرة هي الردود التي اختفى بها الفصل والتي بنيت رأساً على توجيه العقل والمنطق3. وقد غدا العقل ميزاناً يرفض به كل ما يعارض الحقائق الإسلامية في قصص الأنبياء ويطرحها على أنها ترَّهات لا سند لها، ويشيد به في التقريب بقوله: " .... ومن كذب عقله فقد كذب شهادة الذي لولاه لم يعرف ربه وحصل في حال الجنون، ولم يحصل على حقيقة ... "4.

غير أنه يضع له حدوداً يجب أن لا يتعداها، فليس من واجبات العقل إيجاب شيء أو منعه، كما أنه ليس من خصوصياته تحسين أمر أو تقبيحه مثلما ذهب إلى ذلك المعتزلة، بل دوره يكمن في أن يفهم من الله ويقر بأنه يفعل ما يشاء، ولو شاء الله أن يحرم ما أحل أو يحل ما حرم لكان له5.

ويسلك ابن حزم مسلكاً مغيراً يكشف عن الدور التربوي الذي يقوم به العقل في توجيه وإرشاد الإنسن في معاشه ومعاده، فيه تستعمل الطاعات وتجتنب المعاصي، والعقل من نجى نفسه من عذاب النار، والدليل في ذلك قوله تعالى التوحيد ? وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ? (الملك: 10)، ثم يرفع شعاراً للعقل يجعل منه خضوعاً للحق بعد إدراكه مع سياسة الدنيا لتكون مزرعة للآخرة6.

ومن العقلا ما لا يختلف عليه شخصان معافان من كل بلاء ومصدر هذا الاتفاق فطرة الانسان. وعلم نفسه على حد تعبير ابن حزم كعلم النفس أن الجزء أقل من الكل وعدم اجتماع المتضادين وعدم ظهور جسم واحد في مكانين مختلفين7. في حين يرجع ابن حزم خطأ استعمال هذه القوة الفطرية عند العلماء إلى سببين: أحدهما يتمثل في طول وكثرة المقدمات إلى درجة يصعب فيها رد هذه المقدمات إلى البديهيات ككثرة الأعداد والأرقام في العمليات الحسابية، وثانيهما خروج العقل عن منهجه الموضوعي واستسلامه لنزوات النفي وإغراءات الهوى واتباع المتشابهات وعدم الخضوع للحقائق والميل إلى الرأي والتأوي الباطل8.

ويهتم ابن حزم بقيمة الخبر المتواتر في إيجاب العلم والبلدان والعلماء والملوك والوقائع والتواليف، ولا يحتاج في ضوء هذا الموقف إلى دليل يدعم ما جاء به الخبر، وإن ادعى مدع وجوب ذلك لزمه إثبات نسبه إلى أمه وأبيه وعشيرته9، وبعد أن يتبين اختلاف الناس في العدد الذي يتحقق به التواتر الخبري، وهذا اختلاف متهافت ليس له ما يبرره سوى ميول ذاتية لبعض الأحداث في حياة الأمة يجنح لضرورة الاحتياط لمنع التواطؤ على الكذب في الخبر المنقول، ولا يهم فيها العدد كثيراً فقد يكذب الكثير ويصدق الواحد10. والحق أن العلم الضروري لا يثبت إلا بالتواتر مع العدد، وفي ضوء ذلك نقرأ له،: "وقد يضطر الخبر الواحد إلى العلم بالصحة، إلاّ أن اضطراره ليس بمطرد ولا في كل وقت ولكن على قدر ما يتهيأ"11.

3 - ملامح المنهج العقلي والنفكير العلمي عند ابن حزم

في فكر ابن حزم بالاضافة إلى ما سبق ذكره تتأكد ملامح المنهج العقلي حين يدعو إلى احترام سنن الله في الكون وهي سنن لا يمكن خرقها إلا من اللله عزّ وجل، فتغدو هذه السنن ثابتة مستقرة كأنها صفات ذاتية جبلت عليها المخلوقات في الكون الفسيح، ويظهر من قوله معللاً: "لأن من الصفات المحمولة في الوصف ما هو ذاتي به، لا يتوهّم زواله إلاّ بفساد حامله وسقوط الاسم عنه، كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت حلاً وبطل اسم الخمر عنها ... "12.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير