تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي ضوء هذه السنن الكونية الظاهرة للإنسان عن طريق الحواس والعقل والتجربة والخبر لا يمكن التسليم بكثير من الخوارق التي نص عليها الكتاب المقدس في شأن اليهود، فهؤلاء السحرو الذين كلفهم فرعون بالتصدي لموسى عليه السلام استطاعوا تحويل ماء النهر إلى دم ونقل ضفادع الماء إلى أرض مصر لتملأها وترعب الناس، في الحقيقة لم يخرقوا نظم الكون بل موهوا على الناظرين واحتالوا عليهم، ووفق هذه الرؤيا التي لا تخلوا من نزوع إلى الظاهر يفسر ابن حزم كثيراً من نصوص التوراة التي حرّفها اليهود13.

وتظل النعجزة باعتبارها قيمة إلهية مرتبطة بالنبوة والرسالة فقط. وتبقى كلمة لا بد من ذكرها وهي أن ابن حزم كان نقلياً في مواضع لا يجوز فيّها إلاّ ذاك وعقلياً في مقامات لا يمكن التفاهم فيها إلاّ بالركون إلى سلطان العقل، وقد أفصح هو ذاته عن هذا المبدأ في كتابه الأحكام14، ويمكن إجمال المواضع التي بدت فيها حواراته العقلية في مناقشته للسوفسطائية والفلاسفة والفرق الدينية والمذاهب الاسلامية في أصول عقائدها.

4 - مواقف ابن حزم من المنطق والفلسفة

يؤمن ابن حزم بجدوى المنطق وقيمته في سلم المعارف الإنسانية واعتباره سبيلاً برهانياً لثبوت التوحيد ومعرفة الشريعة، ويظهر ذلك في مقدمة كتابه التقريب لحدود المنطق، إذ اعتبر المنطق وسيلة لفهم الأشياء التي نص الله تعالى ورسوله عليها وما تحتوي عليها من المعاني التي تقع عليها الأحكام وما يخرج عنها من المسميات وانتسابها تحت الأحكام على حسب ذلك15، بل لا يستجيز الفتيا لمن لم يطلع على المنطق، ذلك أنه جاهل بحدود الكلام وبناء بعضه على بعض وتقديم المقدمات وأنتاجها النتائج التي يقوم بها البرهان، وإزاء هذا الموقف لا يغض الطرف عن العلاقة الحميمة بين المنطق والشريعة يقف ابن حزم صلباً معانداً لكل الهجمات التي حاولت النيل منه والتشهير به لاشتغاله بعلوم الأوائل.

ولعله من الغريب أن يمتدح الفلسفة ويدافع عنها في بيئة اشتهرت بهجوم الفقهاء على الفلسفة عامةً ودعاة المنطق خاصةً في إطار حملة منظمة، تحذر وتتهم كل متمنطق بتهمة التزندق كمرحلة أولى للإطاحة به، بل تزداد الغرابة خين يعتبر الفلسفة معناها وثمرتها طريقاً لإصلاح النفس وحسن سيرتها المؤدية إلى سلامتها في معادها وحسن سياساتها في حياتها16.

5 - نقد ابن حزم للقياس أصولياً

يرد ابن حزم في إطار وجهة نظر منهجية القياس في التفكير الأصولي، ذلك أن مدارس فقهية يمكن إدراجها تحت مدرسة كبرى تتأسس على الرأي في تطبيقاتها لآليات القياس كانت تؤلف بين عناصر مختلفة في طبائعها لا يمكن اعتبارها متوافقة رغم تشابهها، وهذا التشابه لا يمكن أن يتخد مطية لسحب الأحكام الثابثة على ما لم يثبت في حكم نصاً، كما أن الظنية لا تنتفي عن التشريع الذي يستمد مرجعيته من الكتاب، وهذا الأخير قطعي لا مجال للتأويل فيه، ويمكننا إراء هذه الرؤيا الحزمية أن نَعُدَّ هذا الموقف أساساً لنظرية خاصة في تاريخ الاجتهاد الاسلامي تستمد قوتها من المنهج الظاهري الذي يعتمد تفسير النصوص من ذاتها بعيداً عم مغاهيم الباطن والمعرفة البعدية والدلالات الخاصة، وما إلى ذلك من الآليات التي يتقرحها منهج التفسير بالرأي.

وفي إطار رفضه للقياس يرفض كذلك الاستدلال بالشاهد عن الغائب لخروجه عن بديهة العقل التي تقتضي بالتفرقة بين عالم الغيب والشهادة، كما ينكر على القائلين بقياس التمثيل أخذهم به، ذلك بأن هذا الموع لا يقوم على أسس مضبوطة، مما ينجم عنه الخطأ في الحكم رغم سعي الأصوليين إلى جعل العلة الجامعة بين الأصل والفرع وصفاً منضبطاً مطرداً غير مضطرب على جهة القطع17

ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن ابن حزم في حركته الثورية تلك ضد القياس كان يستشعر ظهور ادّعاء انصار القياس تصريحاً أو تضميناً غياب النص في نوازل لم يرد لها حكم في كلام الله أو سنة نبيه ?، مما سيفسح المجال لكثير من الأطراف في غياب المرجعية النصية لكي تحتال على الشريعة وتفرض آراءها تحليلاً وتحريماً توطؤاً في أحيان كثيرة مع رغبات ذاتية يجسدها فساد أخلاقي واجتماعي عاينه الرجل في البيئة الأندلسية المتميزة بخصوصيات اجتماعية وثقافية وسياسية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير