3 - الحسد ووسيلة ضبطه: مصدر الحسد نفس الإنسان؛ لقوله تعالى: [وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ] (البقرة: 109).
وهو ثاني المعاصي التي وقعت في الكون، وتمثَّلت في قتل الإنسان لأخيه الإنسان، وسببه النفس الغضبية أو السبعية، أي: عدم كظم غيظ النفس والاستسلام لظلمها وسببه الحسد الذي هو خلق في الإنسان ويحتاج إلى محاربته في نفسه وإلا أوقعه في النيران.
وقد حسد قابيل أخاه هابيل لما قُبل قربانه ولم يتقبل منه، فقتله وفي ذلك يقول الله تعالى: [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ] (المائدة: 27 - 30).
كما حسد إخوة يوسف أخاهم وسعوا إلى قتله حيث يقول تعالى حاكياً قولَهم: [اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ] (يوسف: 9).
وليس لهذا الدَّاء من ضبط سوى: - الاستعانة بالله أولاً، ثم الصبر وتقوى الله: فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فليستعمل معه الصبر والتقوى فيكره ذلك في نفسه.
- القيام بحقوق المحسود.
- عدم البغض: وفي الحديث: «ثلاثٌ لا ينجو منهن أحد: الحسد، والظن والطِّيَرَة، وسأحدثكم بما يخرج من ذلك: إذا حسدت فلا تبغض، وإذا ظننت فلا تحقّق، وإذا تطيّرت فامض» [14].
- العلم بأن الحسد ضرر على الحاسد في الدين والدنيا، ومنفعته للمحسود في الدين والدنيا.
- الثناء على المحسود وبرّه: قال تعالى: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] (فصلت: 34).
- القناعة بعطاء الله: قال بعض الحكماء: «من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد، فيكون راضياً عن ربه ممتلئ القلب به، ويتيقن بأن الحرمان أحياناً للإنسان خير من العطاء، وأن المصيبة قد تكون له نعمة، وأن الإنسان أحياناً يحب ما هو شر له ويكره ما هو خير له» [15].
- قمع أسباب الحسد: فأما الدواء المفصَّل فهو تتبُّع أسباب الحسد من الكِبْر وغيره وعزَّة النفس وشدة الحرص على ما لا يغني، فهي مواد المرض ولا يقمع المرض إلا بقمع المادة.
بالإضافة إلى هذه الآفات، ذكر القرآن مجموعة من الأمراض تسيطر على النفس وتقودها إلى العصيان والخذلان، منها: - الكِبْر، لقوله تعالى: [أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ] (البقرة: 87).
- الشُّح، لقوله تعالى: [وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ] (النساء: 128).
- الاغترار بالرأي الشخصي واتباع الظن، لقوله تعالى: [إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ] (النجم: 23).
* ضوابط أساسية لضبط النفس، ومن أهمّها: 1 - الاستعانة بعبادة الله تعالى: التقرُّب إلى الله عز وجل بما يحب من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وخير ما تقرَّب به المتقرِّبون إلى الله الفرائض التي فرضها الله جل وعلا، وعلى رأسها توحيد الله، ثم إن في النوافل لمجالاً واسعاً عظيماً لمن أراد أن يرتقي إلى مراتب عالية عند الله، كما قال - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: «وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن
¥