تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه» [16].

ومن فضل الله علينا أن جاء هذا الدين بعبادات شتَّى، تملأ حياة المسلم في كل الظروف والأحوال؛ بالليل والنهار، بالقلب والبدن التي يعتبر أداؤها من أهمِّ عوامل ضبط النفس، من قيام ليل وصيام تطوع وصدقة وقراءة قرآن، وذِكْرٍ لله آناء الليل وأطراف النهار.

لا شكَّ أن هذه العبادات تقوِّي الصلة بين العبد وربه، وتوثِّق عُرى الإيمان في القلب؛ فتضبط النفس وتزكو بها، وتأخذ من كل نوع من العبادات المتعددة بنصيب؛ فلا تَكِلُّ ولا تَسْأَمُ، لكن الانتباه لأمور تَرِدُ أمرٌ أساسي، ومنها: - الحذر من تحوُّل العبادة إلى عادة.

- الحذر من تقديم المهمِّ على الأهمِّ، أو الأدنى على الأعلى - أي النوافل على الفرائض - كمن يقوم الليل - مثلاً - ثم ينام عن صلاة الفجر.

فالمسلم كالنَّحلة تجمع الرَّحيق من كل الزهور، ثم تُخرجه عسلاً مصفّىً شهياً سائغاً للآكلين.

- تقديم الواجب عند تعارضه مع المستحب.

- التركيز على أعمال القلوب، وتقديمها على أعمال الجوارح؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب» [17].

إن استشعار المؤمن المكاره التي تحفُّ بالجنة، يتطلب منه هِمَّة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلُّب عليها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تدفع لوجه غير وجه الله، وإنما تفاوت الناس بالهِمَم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

ولنستمع إلى ثابت البناني الذي يقول: تعذَّبت بالصلاة عشرين سنة، ثم تنعمت بها عشرين سنة أخرى، والله إني لأدخل في الصلاة فأحمل همَّ خروجي منها [18].

وقد قيل للإمام أحمد: يا إمام متى الراحة؟ فيقول وهو يدعو إلى المجاهدة: الراحة عند أول قدم تضعها في الجنة [19].

إنها الراحة الأبدية التي يُستعذَب كل صعب في سبيل الوصول إليها.

هذه هي الصلاة التي تعد رمز الضبط والانضباط، قال تعالى: [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ] (البقرة: 45).

وقوله تعالى: [إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ المُصَلِّينَ] (المعارج: 19 - 22).

فالهلع والجزع والمنع نقائص وعيوب، وعلاجها يكون بالصلاة وعموم الطاعات والعبادات.

فهي قيام ومثول بين يدي الله سبحانه وتعالى، وحقُّها حضور القلب وخشوع الجوارح [فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ] (الماعون: 4 - 5).

لكن كم من مصلٍّ ليس له من صلاته إلا التعب والنصب! كم من مصلٍّ يصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا النصف أو الثلث! وأن ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها.

بل إنها لتدعو للإنسان أو عليه.

ثم إن الصلاة مضبوطة بأزمنة وأمكنة، فالأزمنة منها ما هو اختياري، ومنها ما هو اضطراري، والأمكنة منها ما هو فاضل كالمسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي، ومنها ما هو عادي كسائر المساجد، ومن الأمكنة ما تحرم فيه الصلاة أو تُكره كالمزبلة والمقبرة والمجزرة.

والصلاة مضبوطة بالإمام والمأموم؛ فالإمام يحسن أن يمتاز بصفات، كأن يكون أقرأَ القوم وغير مكروه لديهم، والمأموم له أن ينبِّه الإمام عند السهو أو الخطأ لكن يخشى عليه إن هو رفع رأسه قبل الإمام أن يُجعل رأسه رأس حمار، فإنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به.

والصلاة مضبوطة بالإحرام والتسليم، وبالركوع والسجود، وما يتخلل ذلك من تكبير وغيره، وهي إلى ذلك مضبوطة بالنواقض والجوابر ...

إلخ.

إنها الصلاة التي كانت راحةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما أخبر الصادق المصدوق يوماً فقال لصاحبه: «أَرِحْنا بها يا بلال!» [20]؛ عكس أبناء الأمة اليوم الذين يقولون «أرحنا منها».

وإن لم تنطق بها شفاههم، فإن أفعالهم بها ناطقة، إنها مَفْزَعُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان «كلما حَزَبَهُ أمرٌ صلّى» [21]، وهي قُرَّة عينه - صلى الله عليه وسلم - كما قال: «حُبِّبَ إليَّ من دُنياكم الطِّيب والنساء، وجُعلت قُرَّة عيني في الصلاة» [22].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير