تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنها المعين الحقيقي على تقوية الإيمان؛ فإقامة الصلاة بأداء أركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها يوصل الإنسان إلى تحقيق تلك الصلة المطلوبة بين العبد وربه وحريٌّ بمن فعل ذلك أن يعينه الله، وحريٌّ به هو أن يكون لما سواها مقيماً، كما قال عمر في رسالة لعمَّاله: «إن أهمَّ أموركم عندي الصلاة، من حفظها أو حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع» [23].

الفريضة المرافقة لوجود الإنسان المؤمن فوق هذه البسيطة، فريضة لا تسقط أبداً مع جميع الأعذار، سواء كان مرضاً أو خوفاً أو حرباً.

إقامة الصلاة كما أرادها الله أن تقام، لا كما أرادها الناس.

والعجيب في القرآن أنه عند حديثه عن فلاح المؤمنين ذكر من صفاتهم السِّت الصلاةَ مرتين، حيث بدأ بها وختم بها، فكان البدء بالخشوع فيها والختم بالمحافظة عليها، فقال: [قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ] (المؤمنون: 1 - 10).

إنها مضخَّة الإطفاء التي تطفئ النار المشتعلة الموقدة التي تلفح القلوب والعقول، وممحاة للذنوب، حيث يروي [24] لنا سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه كان يوماً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة فأخذ منها غصناً يابساً، فهزَّه حتى تَحَاتَّ ورقُه ثم قال: يا سلمان! ألا تسألني لِمَ أفعل هذا؟ قلت: ولِمَ تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس تحاتَّت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق، ثم تلا: [وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ] (هود: 114)».

- بل إنها كالماء الذي يطفئ النار وسوادها ويغسل أثرها من بين جوانح الإنسان، لهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله ملكاً ينادي عند كل صلاة يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها» [25].

وهو ما شرحه ابن مسعود: «تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا تكتب عليكم حتى تستيقظوا» [26].

هذا بعض من كل، وغيض من فيض من عظمة الصلاة ودورها في ضبط وانضباط النفس، ولكل مؤمن أن يتساءل عن عدد المصلين وعدد مساجد المسلمين وغياب الضبط المطلوب، فسيتعرف على السبب اليقين، ولن يلوم إلا نفسه، ولن يرجو إلا رب العالمين.

ومما يفيد النفس ويضبطها ويزكيها أمام باريها كثرة الذكر والاستغفار لقوله تعالى: [وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً] (النساء: 110).

2 - الاستعانة بمحاسبة النفس: قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] (الحشر: 18).

إن آيات القرآن لتذكِّر الإنسان بيوم لا مردَّ له، فيه مساءلة الرحمن لبني الإنسان بكل ما سعت له وإليه من أعمال، كما قال تعالى: [إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى] (طه: 15).

والإنسان محتاج للتذكر والتذكير بأن هذا اليوم هو يوم العدل المطلق، ليس فيه ظلم [لاَ ظُلْمَ اليَوْمَ] (غافر: 17).

وليس فيه رخصة للرجوع والاعتذار أو المقايضة كما قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ] (يونس: 54).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير