ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[25 Dec 2010, 04:06 ص]ـ
في المسألة المطروحة هناك أدلة وليس هناك من نص يقدّم لنا من قبل أيٍّ من المختلفين في المسألة.
بارك الله فيكم. هذا غلط، أنتم مَن ادعى التوقيف، فأدخلتم في دين الله ما ليس منه، فصرتم المطالبين بالدليل عليه، إذ ادعيتم أن رسول الله صل1 وجّه الكُتابَ إلى نظام معين يتبعونه في كتابة المصاحف يوافق أو يخالف ما عهدوه من نظام كتابتهم قبل بعثته صل1، وهذه دعوى خطيرة تحتاج إلى برهان وبينة، لما يترتب عليها من أحكام شرعية يجب المصير إليها.
فالأصل أن الصحابة رض3 فعلوا ما لا دليل عندكم يخرجه عن أن يكون مباحا كغيره من سائر معارف الدنيا التي سكت عنها رسول الله صل1 ولم يوقّفهم على شيء فيها! شأنه في ذلك شأن جميع رسل الله وأنبيائه، إذ لم يُبثعوا لمثل هذا.
ومع ذلك نجيبكم إلى بعض ما طلبتم هنا:
فأرجو أن يُنقل لي أقوال عن الصحابة تؤيد قولهم بأن الرسم ليس بتوقيفي.
من ذلك - مثلا - قول عمر بن الخطاب رض1: (لا يُمْلِيَنَّ - أو يُمِلَّنَّ - في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف). [أخرجه أبو عبيد في الفضائل، وابن أبي داود في المصاحف، وغيرهما بسند صحيح لغيره].
وكذا قوله رض1 لما قال له رجل: (يا أمير المؤمنين، جئتك من الكوفة وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه) يعني عبد الله بن مسعود رض1، قال عمر رض1: (والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه). [أخرجه ابن أبي داود وغيره بسند حسن].
ومن ذلك أيضا قول عثمان بن عفان رض1 في نسخ المصاحف: (فليكتبْ زيدٌ وليُمل سعيدٌ)، أو (ليكتب أحدهما، ويملي الآخر). [أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بسند صحيح].
وكذا ما رواه البخاري في صحيحه (كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن) عن يوسف بن ماهَكٍ: أن عائشة رض11 أخرجت مُصحفَها لرجل عراقي فأمْلَتْ عليه آيَ السوَرِ. وعند أبي عبيد في الفضائل أن يوسف هو الذي أملى عليه.
والشاهد مما أوردت هنا وغيره أنهم كانوا يملون المصاحف، ولو كان وقّفهم رسول الله صل1 على كيفية معينة من الرسم ووجوه خاصة = لما كان الإملاء ممكنا أبدا، إنما كان يجب أن ينقل الرجل بنفسه ونظره هو من مصحف معين، حتى ينسخه كله، وهذا عسير جدا في مثل زمانهم، بل ونادر حتى في زماننا اليوم بعدما تيسرت أدواته من أقلام ومداد وورق وأجهزة.
ثم إن الإملاء هو المتصور أصلا في عملهم، لأن به يمكن للنفر من الرجال أن يكتبوا جميعا في الوقت نفسه بإملاء رجل واحد. فينجزون النسخ بسرعة. وإلا بقوا في إخراج النسخة الواحدة أياما كثيرة! وربما اضطروا لتوزيع سور المصحف أو صفحات منه قليلة على عدة رجال ينسخون نقلا بأنظارهم. ولعل هذا مما جعل بعض السور في بعض المصاحف تتفرد بوجه معين من الرسم دون سائره أحيانا.
الإمام مالك أفتى بعدم جواز كتابة المصاحف بالرسم الجديد، بل الكتبة الأولى. فلماذا يصر رضي الله عنه على الرسم العثماني على الرغم من أن الكتابة كالصناعة كما يُصر الأخ حسين.
هذا يدل على أن فضيلتكم لم يرجع إلى ما أحلته إليه غير مرة من مراجع، وهذه مشكلة لا يمكن معها استمرار النقاش. وقد لاحظت هذا من كثير من المغالطات في كلامكم، والتي كان يجب أن يظهر فيه أنكم حتى كلفتم أنفسكم بالرجوع إليها، وإلا كان ظهر ذلك، سواء بقبوله والمصير إليه أو مناقشته والرد عليه.
ومجرد قولكم (بالرسم الجديد)، وقولهم لمالك رح1 من قبلكم: (على ما أحدثه الناس) = يدل دلالة قوية على أن سائر كتاباتهم قديما كانت توافق رسم المصحف، لمن تأمل.
أما كتابة غير المصاحف فهذا ليس محل خلاف، لأن سؤالنا محدد: هل يجوز كتابة المصاحف بالرسم الجديد الأقرب إلى اللفظ القرآني المجمع على أنه وحي من الله تعالى؟!
أيضا هذا السؤال يؤكد لي أنكم لم ترجعوا إلى ما أحلتكم إليه في مشاركة سابقة. إذ ما زالت كثير من الحقائق غائبة عنكم.
قلت مرارا: رُسمت المصاحف على ما عرفوا من نظام الكتابة في زمانهم، ولم يكن أحدهم يجد مشكلة بين ما ينطق وما يكتب، في المصاحف وغيرها، إنما المشكلة عند بعضنا الآن ممن لا يدرك ذلك.
¥