تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ) إشارة إلى أنهم كانوا مذبذبين ولكنهم في هذه الحالة التي تكلم عنها الله سبحانه وتعالى كانوا أقرب للكفر منهم للإيمان ومآلهم في النهاية كان إلى الكفر. ما فائدة هذا الخطاب؟ هو خطاب خاص بتلك الحالة التي حدث فيها الخذلان من المنافقين فالله يبين أنهم في هذا الوقت هم للكفر أقرب منهم للإيمان. سؤال. عندما يثبت لهم جزءاً من الإيمان, ما هو هذا الجزء إذا قلنا أن الإيمان أعمال قلبية؟ الإيمان أجزاء كما أن الإسلام أجزاء. هذه الحقيقة يجب أن تكون معلومة. ولذلك أهل السنة يقولون أن الإيمان يزيد وينقص بحسب الأعمال وما يقع في القلب من تصديق الله عز وجل والتوكل والإخلاص. هم يؤمنون بالله ويؤمنون بموسى وإبراهيم ونوح ويؤمنون بكثير من الأنبياء الذين سبقوا موسى لكنهم ينازعون في عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وهم يعلمون محمدا كما يعلمون أبناءهم كما ذكر القرآن ولكن كذبوا به. هذا التكذيب أضر بإيمانهم كله. صار القدر من الإيمان الموجود في قلوبهم لا ينجيهم من الله لا ينفعهم في قبول إيمانهم وكذلك المنافقين. هذا القدر لا ينفع في براءة الذمة ولا في السلامة من العقوبة ولا في القبول عند الله. فهناك قدر من أصل الإيمان لابد أن يأتي جميع أركان الإيمان الستة إذا كذبت بواحد منها كأنما كذبت بها كلها. الذين كذبوا بنوح عليه الصلاة والسلام {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) الشعراء} لماذا قال كل المرسلين وما جاءهم مرسلين، إذا لماذا كذبوا بكل المرسلين؟ لأنهم كذبوا بنوح ومن كذب بالرسول كأنه كذب الرسل جميعا ولاحظ أن من كذب بالرسل فقد كذب بالله. والمعنى أن الإيمان الموجود مسماه فعلا ايمان ولكن هذا القدر من الإيمان لا ينفعهم بأن يكونوا مؤمنين ولا أن يخلصوا من عقوبة الله.

الألسن مغارف القلوب

(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) جاء بفعل مضارع للدلالة على التجدد وهذا يبدو أن يكون ملازما للمنافق. لأن النفاق يتجدد مرة بعد مرة. ويقال عن سيرة عبد الله بن أبيّ بالذات أنه كان يمارس أعمالا في غاية الصفاقة فكان في يوم الجمعة يصعد على المنبر يستنصت الناس ويقول "أيها الناس هذا رسول الله إستمعوا وأنصتوا" بطريقة كان يمجّها كثير من الصحابة والكل يعلم أنه هو كان رأس المنافقين وهو كاذب. وقال العلماء أنه ما يُنسب القول للأفواه إلا كان المراد به التكذيب. مثلا في قصة الإفك (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) نسب القول للأفواه ولذلك دل على أنه كذب. وكذلك في سورة الفتح وفي غيرها من سورة القرآن وذكر ذلك القرطبي وتكاد تكون مضطردة. نسبة القول بالألسن دل على أن القائل كاذب والكلام كذب. يقول الناس الآن إذا سمعوا كلاما يعرفون أنه كذب يقولون هو "كلام" أي ليس له قيمة وليس هو بحقيقة. الناس يظنون أن الصدق هو مطابقة الكلام للحقيقة. الحقيقة أنه في القرآن الصدق هو مطابقة الكلام للواقع ولما في القلب وإلا لا يكون صدقاً بدليل {ذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون} هذا الكلام صحيح ومطابق للواقع ولكن لم يطابق ما في قلوبهم. {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} لماذا سماهم كاذبين؟ لأنه غير مطابق للقلوب. هم صادقون في قولهم إنه رسول الله لكنهم كاذبون في الشهادة. والعلماء يقولون أن تمام الصدق هو أن يطابق الكلام ما في الواقع وأن يطابق ما في القلب وهذا تمام الصدق. وهذا هو معنى بيت الأخطل الذي يستشهد به كثير من العلماء:

لا تعجبنّك من خطيبٍ خطبة حتى يكون مع الكلام أصيلا

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير