تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اذا كان الكلام من القلب ويظهر على اللسان. أما إذا كان {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فهو ليس بصدق. ولذلك يقال عن خالد بن معدان التابعي المشهور كان يقول أن الألسن مغارف القلوب يعني نقّوا قلوبكم حتى إذا غرفت ألسنتكم شيئاً تغرف شيئاً من مكان نقيّ. هذا من التزكية الموجودة عند السلف والتي نفتقد كثيرا منها اليوم. في مرحلة الثانوية التي هي مرحلة التشكيل فلو أن الطالب اعتنى في هذه المرحلة بتزكية قلبه ونفسه وقرأ في كتب الزهد والزهد غير ما قد يتصور السامع من تقشف وإنما المقصود به التزكية وتربية القلوب. قيل للإمام أحمد هل يمكن أن يكون لأحد مال ويكون زاهدا؟ قال نعم اذا كان في يده وليس في قلبه. قد ترى غنياً وافر الغنى وتجده زاهداً.

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) فيها نوع من التهديد لهم وقد تحدثنا من قبل عن لازم الخبر وهنا فيه تهديد لهم وتخويف للمؤمن وأن الله مطلع على ما في القلوب وأن على الإنسان أن يكون حذرا. وهذا لا نكاد نجد لها مثيل في المناهج الوضعية وهو التربية الذاتية للمسلم أن يكونالرقيب ذاتياً وأن يوقظ الإنسان في نفسه الرقيب الذاتي {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)} آل عمران و {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)} آل عمران و {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) الأحزاب}. أنت الآن بمفردك تستحضر معاني هذه الآيات العظيمة ورقابة الله عليك وأنه مطلع على كل ما في صدرك وأنه خبير به ولا يخفى عليه شىء من أمرك فتستيقظ في نفس الإنسان هذه الصفة وهي مراقبة الله في السر والعلن فتزكو نفس الإنسان وهذا من أهم معاني التزكية. استحضار رقابة المدير قد تعينك ولكن ليس مثل إستحضارك لمراقبة الله سبحانه وتعالى.للإنسان

(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

يستوقفني قوله تعالى (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أنتم الآن إنسحبتم من المعركة وتركتم المؤمنين وسيجيئكم الموت كيف ستدرؤه عن أنفسكم؟ لا تستطيعون. والتعبير بلفظ (فَادْرَءُوا) كأنه شيء لا بد منه ثقيل وتفر منه النفس فالمطلوب أن تدرأ عن نفسه لكن لا تستطيع كما قال تعالى في مواطن أخرى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} من 78 النساء, جاء التعبير عن الموت في القرآن بطريقتين. {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} فصوّر الموت على أنه يلحقك ويدركك. وفي سورة الجمعة قال {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) الجمعة} لم يقل فإنه مدردككم فعبر بتعبير أروع أنه ملاقيكم إذا فررتم منه من جهة جاءكم من جهة أخرى (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) القيامة).

(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) الأخوة هنا ليست أخوة في الدين بل أخوة في الوطن لأن أغلبهم كانوا من الخزرج. من يقولون دواعي الوطنية البحتة التي لا ترتبط بالدين هذا غير صحيح وهذا لعب. كم رأينا من يكونوا إخواناً في الوطن وتكون بينهم من العداوة ما لا يعلمهم إلا الله. كيف نجمع هؤلاء؟. هؤلاء المنافقين هم من الأوس والخزرج واليهود كانوا مواطنين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخذلوه. كل القبائل اليهودية الثلاث خرجت من المدينة بواقع الخيانة العظمى التي هي إخلال بأعظم مقومات الوطنية والمواطنة. هم مواطنون في المدينة منذ مئات السنين وليسوا وافدين ولكن الناس الذين يقولون أن الوطنية يجب أن يجتمع الناس تحتها هذا غير صحيح ولا يوافقه الواقع ولكن حقيقة ما يجمع الناس هي المبادئ. المنافق عبد الله بن أبيّ كان ينظر أنه هو صاحب الوطن {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير