تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لحانا وأصواتهم بالقرآن خير من أصواتنا لكن في قلوبهم غل على الذين آمنوا وفي نفوسهم من الدَخَن ما الله به عليم، هؤلاء كيف نعرفهم؟ وكيف نتقي شرهم. ونحتاط منهم؟. هذه قضية خطيرة. الله بحكمته وبعلمه وحسن تقديره ينزل البلايا فيمحص الصدور. وهذه البلايا مع شدتها علينا إلا أن فيها هبات ورحمات فعلينا أن نشكر الله. نحن في فتنة غزة هذا العام بانت لنا أموراً كانت مخفية علينا ما كانت لتظهر حتى لو جاء انسان مطلع وبصير وأثبت لنا بالدلائل بعض الحقائق التي ظهرت لنا لأنكرناها وقلنا يا فلان أحسن ظنك إتقي الله هذا من وسوستكم أيها المحللون وغير ذلك. ولكن جاءت الفتنة من داخل غزة ومن داخل فلسطين ومن الدول العربية ومن القنوات الفضائية ومن الصحف ومن الكُتّاب ومن المسؤلين ومن الرؤساء ومن كل واحد حتى من طلاب العلم والدعاة وكشفت وأظهرت وأطلعتنا على خفايا {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ما كان يذركم مختلطين لا يعرف بعضكم بعضا حتى تقدم هذه الفتن {يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} وهذا درس نستفيد منه أن الفتن لله فيها حِكم ومن حكمها أن يبين الله هؤلاء من هؤلاء وإن بعض الأمور لا تنهض إلا بالمشقة والإجتهاد وهذا منها، قال تعالى في سورة محمد {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) محمد} لو نشاء لأريناك هؤلاء المنافقين بعلامات يعرفون بها ويميزون من بين سائر الناس، قال {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أما لحن القول فستعرفون منه المنافقين معرفة تامة من كلامهم وعباراتهم ستعرفهم قطعا. أما أن تعرفهم بسيماهم فهذا لن يكون إلا بمشيئة الله وقد شاء الله لمحمد أن يعرفهم بسيماهم فعرفهم بأسمائهم وأسر بها لحذيفة بن اليمان.

لما يذكر الله في القرآن التمييز يقدم الخبيث أولاً " يميز" أي يفرز أو يفصل {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) الأنفال} وأيضا {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) يس} فكلها تشير إلى تمييز الخبيث المجرم وهذه فائدة أنه ليس الهدف من التمييز البيان فقط بل يميز المنافق من المؤمن ومحقه وإهلاكه وفضحه وكبته وهذا هو الذي ظهر في هذا المعنى. وفعلا بعد أحد ميّز الخبيث من الطيب وكبتهم ولم تقم لهم قائمة. كلمة "ميز" جاءت كلها مع الخبيث (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) (ليميز الله الخبيث من الطيب) ولذلك إستنبط بعض العلماء أظنه تقي الدين الهلالي قال كلمة إمتاز وممتاز ويمتاز لا ينبغي أن تستخدم في الأمور الطيبة وينبغي أن تستعمل كما إستعملها القرآن في الأمور الخبيثة. وهذا فيه دقة في الاستنباط لكن هذا مصطلح قرآني إلا أن الناس تعارفوا على غير هذا المعنى ولا نريد أن نعممها فتغير عرف الناس.

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} لما قال سبحانه وتعالى {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} الكلام موجه للمؤمنين كيف تعرفون هذا من هذا. فلو أطلعهم على الغيب فلان كذا وفلان كذا لإنتهى الإبتلاء. فنبه الله على هذه الحكمة العظيمة أنه لا يطلع على مثل هذا الغيب لأنهم في مقام الإبتلاء. نلاحظ أن هذا من حكمة الله ولو أطلعنا الله على خبيئته لما صار هناك إبتلاء ولإنتفت الحكمة التي يريدها الله سبحانه وتعالى لهم. ولإنتفى شيء آخر أيضا وهو الإجتهاد أن تتعرف على الطيب من الخبيث وهذه عبادة. أنت تتبع قناة هذا وكتابات هذا لأجل أن يكون هناك جهاد تؤجر عليه لتعرف ماذا تدع وماذا تأخذ. وأمر آخر نجد أن النفوس من طبعها عندها فضول لمعرفة الغيب وتتشوق لمعرفته لكن الله رحمنا ألا يطلعنا على الغيب. إذا قيل لك أنك ستربح ألف مرة ولكنك ستخسر خسارة شديدة كيف تعيش حياتك؟ ومن رحمة الله أن غيّب عنا هذا ليست عقوبة لنا بل هي رحمة بنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير