تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) الصافات} انظر إلى النبي كيف ميزه الله في الحياة من الزهد في الدنيا {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) الشرح} وقلت أين نحن من هذا

{فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} تكرر معنا أن التقوى ارتبط بها الصبر ولكن هنا ارتبط الإيمان بالتقوى لأن الإيمان هنا في هذه الآية هو المراد فجمعه مع التقوى فيصبح الإيمان هو ما يقع في القلب والتقوى هي العمل. {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. لما كان الكلام عن الصبر والتقوى تكرر للتأكيد فلماذا لم يأتي هنا مرة أخرى؟ نقول أن لما ذكر قبلها {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} و {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}.وهنا قال {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} وإن تؤمنوا إيمانا صادقا وتتقوا الله بأعمالكم فتفعلوا الأوامر وتتركوا النواهي. إذا جمعتم بين هاتين الخصلتين فلكم أجر عظيم. تنكير الأجر ووصفه بالعظيم لتعظيمه. وأيضا كون الإيمان هنا أنسب لأنه ذكر الغيب هنا وما يليق بالغيب هنا هو الإيمان به. ولذلك إذا أخذنا بقول ابن عباس في {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} بأنها خطاب للكفار فهذا يتناسب جداً. فائدة لغوية: (ليذر) فعل مضارع البعض يقول أن ليس له فعل ماضي ويقول آخرون أنه موجود (وذر) هذا القايس ولكنه لا يستخدم ونادر. وذر- يذر - وذراً

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) ألا ترون أن الحديث عن البخل في هذا الموطن مرتبط إرتباطا شديدا بأمر الجهاد في سبيل الله؟ لأن الجهاد قد يكون بالبدن أو المال. وقدم الجهاد بالمال في كثير من الآيات باعتبار أنه ميسور لكثير من الناس وهو أيضاً العنصر الأعظم في قوة المؤمنين في جهادهم في سبيل الله ولذلك في عامة الايات يقدم جهاد المال على جهاد النفس. جهاد المال باعتبار أنه أول إختبار لك في صدقك فقد تكون مريضا لا تستطيع الجهاد. جاهد به حتى تبرئ ذمتك أمام الله وتري الله من نفسك خيراً. ثم أيضا تنتفي العبودية لهذا المال إذا كنت تعبد المال فلن تخرجه وتبذله في هذا الميدان. أما إذا كنت تعبد الله فهذا المال يصبح قليلا في عينك ليرضى ربك عنك ولعل ذكر البخل في هذا الموطن لهذه العِلّة.

وهناك قول آخر بأن البخل هنا أعم من البخل بالمال وإنه يدخل فيه البخل بالعلم لمناسبة ذكر أهل الكتاب كانوا يعرفون محمدا كما يعرفون أبنائهم وبالرغم من ذلك كذبوا وكتموا ذلك العلم. ولذلك في سورة التوبة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (من 34 التوبة)} ثم قال {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (من 34 التوبة) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} جمع بين كتمان العلم الذي يكتمه علماء أهل الكتاب وبين عدم إخراج زكاة الذهب والفضة والعقوبة.

هذا من توسيع لمفهوم الآية ولكن ليس هو المقصود. أغلب المفسرين قالوا بأن المراد به الزكاة. وفي الحديث في البخاري قال {من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول: أنا مالك أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله}. إلى آخر الآية. الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4565. خلاصة الدرجة: [صحيح]}. لعل يؤيد ذلك ما جاء بعدها {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران} وهذا أيضاً يرجح قول ابن عباس أن الآيات ما زالت تخاطب الكفار. من تفاسير السلف يؤيد أن المقصود بالبخل البخل بالعلم وأن المقصود هم علماء اليهود ويحدث من علماء اليهود وكتمان الحق وهذا صحيح. وتحدثنا سابقاً عن التفريق بين مجال الإستنباط ومجال التفسير أنه إذا كان الكلام المذكور متناسقاً مع الآية فهو من باب التفسير وإذا لم يكن متناسقاً مع الآية فهو من باب الإستنباط وهذا ما ذُكر هنا وهو صحيح وذكره بعض السلف وكان أخص العلم العلم بالرسول وهذا يمكن أن يدخل في معاني قوله سبحانه وتعالى {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى} الحق هو البين الظاهر المعلوم والميزان هو ما توزن به الأمور. فنحن الآن نرى الحديث عن البخل نقول البخل بالعلم أولى منه لأن إنفاق العلم أيسر من إنفاق المال فإذا بخل به الإنسان فيكون أشد من بخله بالمال

{بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ممكن أن تشمل هذا وهذا. ولكن لما قال {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} هذا ما جعلكم تقصرونه على المال وليس بالضرورة ولكن قد يكون التطويق عن من بخل بعلمه فيكون البخل بالعلم والمال. وهذا ليس بالضرورة أن يكون صحيح أن الحديث بالمال أظهر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير