تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)

لقد ختمنا كلامنا في الحلقة السابقة ببيان بعض الفوائد في قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (182)) لماذا جيء بصيغة "ظلام" ولم يقل "ظالم" للعبيد. وقلنا فائدة أخرى في قوله تعالى "العبيد" ولم يقل "العباد" وذلك ليشمل الناس كلهم البر والفاجر فهؤلاء لا يضافون إلى الله عز وجل لأنه لا يضاف منهم لله عز وجل من لا يتمثل العبودية الإختيارية. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) الكهف} إضافة إليه لأنه قام بحق العبودية. وأيضا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) الزمر}. ونضيف أن الآية فيها تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الظلم بالإضافة إلى أن صيغة المبالغة (ظلام) جيء بها لتتناسب مع صيغة الجمع في "العبيد". فيها إشارة أيضا أن الله سبحانه وتعالى وبالرغم أنهم عبيد له منقادون ليس لهم من الأمر شيء إلا أنه سبحانه وتعالى منزّه عن ظلمهم. والأصل أن السيد لا يُسأل عن ظلم عبيده وعن تصرفه معهم فهم لا يستطيعون أن يشتكوا لغيره لأنه هو سيدهم والمتصرف بأمرهم والله صاحب القدرة المطلقة الذي يخاف من الظلم هو الذي يخاف من عاقبة الأمر. السيد عندما يتورع عن ظلم عبيده فإنما هو خوفاً من العاقبة والله سبحانه لا يخاف العاقبة وبالرغم من ذلك أنه من كمال عدله أنه لا يظلم مقدار ذرة مع أنه لا يسأل عما يفعل وهذا من صفات كماله سبحانه وتعالى وعلوه وينبغي عندما نقرأ هذه الآيات نلاحظ وأنت تقرأ في سورة آل عمران والقرآن كله هل تجد شخصية النبي صلى الله عليه وسلم تظهر لك في هذه السورة؟ هذه الآيات التي نزلت الآن فيها وعظ وتهديد وبيان وتسلية كلها لا تدل على أن المتكلِّم بالقرآن هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو في هذه المعركة وبعد هذه الجراح وإنما هي إشارة فيها دلالة إلى أن المتحدث هو من يملك الدنيا والآخرة ويعرف الغيب ويثيب ويعاقب ويتوعد ويتهدد وهو سبحانه وتعالى حتى يقول {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) آل عمران} ويقول {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران} وأيضا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران}. كما ذكر د. محمد بن موسى في كتابه القيم الإعجاز القرآني أنك عندما تقرأ كتب البشر تستطيع أن تستخلص شخصية المؤلف ولما تقرأ قصيدة تستخلص شخصية الشاعر وفي القرآن لا تستطيع أن تجد وراءه شخصية بشرية لا تجد فيها ما في البشر من الغضب والنوازع البشرية لا تجد إلا علم وقدرة وإحاطة. وهذا كان سبب إيمان بعض المشركين والمعاصرين من النصارى. هذه اللفتة كانت سببا لإيمان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير