تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمع في أن اليهود تسلم لأن ما عنده من الحق يوافق ما هو مزبور في كتبهم. كان يتطلع إلى ذلك أنه لما تأتيهم أدنى بينة من عندي توافق ما عندهم فيؤمنون لي، الله يقول له انتبه {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} صار عندهم أوضح بينة وأعظم معجزة فكذبوا، فإطمئن يا محمد ولا تحزن ولا تجزع إن كُذبت من قبل هؤلاء. وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه يحب أن يوافقهم فيما ليس عنده فيه وحي حباً بالخير ولأنهم أصحاب كتاب حتى أمر بمخالفتهم فيما يفعلون. هو جاء من مكة وكان أهل مكة مشركين فكان يتوقع من أهل الكتاب أن يؤمنوا به وقد أسلم منهم كثير مثل عبد الله بن سلام وكان لإسلامه صدى فقد كان حبرا من أحبار اليهود. وقد سعد النبي بإسلامه {لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود لآمن بي كل يهودي على الأرض، أو على ظهر الأرض.الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن القيسراني - المصدر: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 4/ 1994 - خلاصة الدرجة: [فيه] محمد بن سليم ليس بالقوي}. ولكن الذين أسلموا من اليهود هم من غير الأحبار.

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. هذه الآية لما جاءت في هذا الموطن هل لها مناسبة؟ كأنها والله أعلم أن هذه إشارة إلى أنها سنة إلهية. بعد المعركة هناك من قتلوا واستشهدوا وناس نجوا هل معنى هذا أنهم سلموا سلامة لا موت بعدها؟ لا. وانما هي آجال، هي مسألة آجال مكتوبة ومحددة، وجاءت عاقبة القصة كلها أن الله محاسب الذين كذبوا والذين خذلوا وأيضا الذين صبروا. فقال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} وهذه قاعدة قرآنية لا يتخلف عنها أحد. ولاحظ أنه عبر بـ (ذائقة) التذوق باللسان لكنه عبر هنا بالموت كأن فيه شىء يذاق. ثم قال {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فالحساب والعقاب والثواب الحقيقي هو ما يكون يوم القيامة يوم الحساب والفوز والنصر الحقيقي هو أيضاً هناك. فكأنها مناسبة لختام الحديث عن المعركة والدروس التي أخذت منها والحديث عن اليهود وما تقدم. جاءت الآية كأنها تذييل لهذه القصة. لاحظ (زحزح) معنى مكرر يدل على معنى التدافع كأنه يُدفع شيئاً فشيئاً عن النار كما في كبكبوا. كرر زح زح ويسمونها الرباعي المضعف مثل زلزل وزحزح وكبكب وجلجل. وفي الغالب تجد الدلالة المعنوية موافقة للنطق اللفظي وهذا من أسرار العربية أن مطابقة اللفظ للمعنى. عندما تقول جرجر تلاحظ فيه جر شيئاً فشيئاً، زحزح كأنه زح زح قليلا قليلا. لاحظ أن الأصل أن الإنسان في نار جهنم {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) العصر} وقال في سورة مريم {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) مريم}.ونلاحط كلمة "نذر" هنا. (من زحزح عن النار وأدخل الجنة) والإدخال لا يكون إلا برحمة الله نسأل الله أن يزحزحنا عن النار وأن يدخلنا الجنة بعظيم فضله ورحمته.

ويدلك على أن النجاة من النار تحتاج إلى بذل وإلى العمل والجهد والبذل, هذه الزحزحة لا تأتي بمجرد التمني وإنما لا بد من العمل. ابتلاءات أُحد كأنها من أجل هذه الزحزحة. وكذلك قال {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)} العقبة هي العمل الصالح. ما هو؟ فَكُّ رَقَبَةٍ (13) البلد} العقبة هي العمل الصالح،. من يقتحم هذا العمل الصالح؟ فأعطى المثال فقال {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} مسغبة أي جوع شديد ثم قال {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)}. إذا نحن عندما نريد أن نقي أنفسنا من نار جهنم نحتاج إلى كثير من الجهد والعمل والبذل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير