تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حتى ننقذ أنفسنا ولذلك قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) الأعلى}. تزكى أي تفعل والتفعل يحتاج إلى بذل وتكلف والنبي صلى الله عليه وسلم قال {اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال: اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى ظننا أنه ينظر إليها. ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة.الراوي: عدي بن حاتم الطائي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6540.خلاصة الدرجة: [صحيح]}. كأن النار فيك فيك ولكن إتقي الله بشق تمرة. في ختام سورة آل عمران قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران} أي اصبروا فإذا صبر عدوكم تحتاجون أن تغالبونهم في الصبر، مصابرة، صابرنا ثم قال رابطوا {وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

لاحظ في قوله زُحزح وأُدخل مبني للمجهول للعناية بالحدث وترك المحدِث. كما أنه قدم الزحزحة عن النار من باب التخلية على إدخال الجنة من باب التحلية وهو ترتيب واقعي فكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة أحد إلا وقد صُفّي. وكأن من زحزح عن النار أنه قد لامسها ثم بعد عنها شيئا فشيئا حتى يخلص منها ثم يدخل الجنة ولهذا قال (فقد فاز) إذن بداية الفوز دخول الجنة. قيل للإمام أحمد متى تجد الراحة يا إمام؟ قال عند أول قدم أطؤها في الجنة. حتى بعد الخروج من النار وقبل دخول الجنة هناك قنطرة يقف عليها المؤمنون فيُصفى ما بينهم لأنه لا يدخل الجنة أحد وفي قلبه شيء على أخيه. سنجد أهوالاً عظيمة نسأل الله أن يقينا شرها ويدفع عنا ضرها برحمته.

هذا التفصيل الموجود عندنا عن اليوم الآخر غير موجود لا عند النصارى ولا عند اليهود. ولذلك يموت منهم ميت فيدعون أنه صعد إلى السماء عند إلههم المزعوم وأنه ينظر إليهم وغيره من هذا الكلام العجيب. الحمد لله المسلم عنده تفاصيل عن إذا مات كيف يغسل ويكفن وكيف يحاسب والأسئلة في القبر معروفة عندنا قبل الاختبار وعرصات يوم القيامة كذلك {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم}. كأنه ينقل لنا نقلاً حياً ولكن نجد فينا الغفلة والتساهل.

أيضا فائدة في هذه الآية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الزمخشري له كلمة في كتابه الكشاف في التفسير عندما فسّر هذه الآية فعلق على "قد فاز" قال فأي فوز أعظم من ذلك!؟ البلقيني يقول استخرجت من كشاف الزمخشري اعتزاليات بالمناقيش لأن الزمخشري من المعتزلة وهم ينفون رؤية الله في الدنيا والآخرة ويستدلون بقول موسى {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي (من 143 الأعراف)}. لن تراني يعني مطلقا. يقول البلقيني أن هذا من الزمخشري "وأي فوز أعظم من ذلك" هذا نفي لرؤية الله في الآخرة ورؤية المؤمنين لله في الجنة هي أعظم فوز وهو أعظم من دخول الجنة. ولكن أقول أن هناك نوع من التكلّف في قول البلقيني وليس بالضرورة أن الزمخشري قصد هذا القول ولكن لما عهد فيه أنه يدس اعتزالياته ذهب الناس لكشف تلك المدسوسات. ومن أشدهم على الزمخشري أبو حيان الأندلسي ورأيت السمين الحلبي ينتصر للزمخشري على شيخه ماذا يقصد؟ يقول هذه دسيسة اعتزالية ويأتي تلميذه فيقول هذا من الشيخ تكلف أو تحامل.

مرت قصة في هذه الآية في رمضان قبل ثلاث سنوات كنت قادماً لصلاة التراويح في المسجد فسمعت جلبة على غير العادة فاستغربت وسالت قالوا امرأة سقطت في الداخل والنساء يستنجدون فأمرت النساء أن يستتروا فإذا بالمرأة قد جاءت وصلت النافلة قبل الصلاة وهي في التحيات اضطجعت على شقها الأيسر والنساء ما يدرون ماذا يصنعون فلما دخلنا إذا بالمرأة مستلقية لا ندري ماذا بها، ومن توفيق الله أنه كان معي في ذلك اليوم أحد الأطباء وفقه الله فناديته وعمل فحصاً مبدئياً للمرأة فقال يجب حملها الآن للمستشفى ونقلها في سيارته ودخلت للصلاة وهو قال لي يظهر أنها ماتت فقرأت في الصلاة وكنا وصلنا إلى هذه الآية (كل نفس ذائقة الموت) فكنت كلما قرأت تذكرت هذه الآية وهذا الموقف وفعلاً المرأة ماتت في الليلة الرابعة من رمضان في المسجد فاتصلت بأبنائها وذهبت إليهم أعزيهم وقلت والله لو خُيرت لكنت مكانها، ميتة في رمضان بعد صيام وفي بيت من بيوت الله وهي في صلاة، الملائكة تصلي عليها ما أجمل هذه الميتة. وهذا فضل واصطفاء ونحن نتحدث عن الإصطفاء في سورة آل عمران.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير