تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[15 Sep 2009, 11:45 ص]ـ

الحلقة 36

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)

مقدمة

وقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} الفاصلة (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) تكررت في القرآن ولكن إذا تأملنا الآية سبق أن ذكرنا أن عندنا في كتاب ربنا من الوضوح الكامل لكل ما سيمر على المسلم وغير المسلم ومنها هذه الموازنة بين الحياة الدنيا وحياة الآخرة وبعد أن ذكر ما وعد الله به المؤمنين من الجنة قال {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} والمتاع هو ما يتمتع به الإنسان ثم ينقضي ولذلك سمي متاعاً وزاد في وصفه بأنه غرور يغتر به الإنسان إنما هو زائل. إذا تأملنا في هذه الآيات نجد أن فيها موعظة وعبرة غاية في التذكير ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين} ماذا يمنعنا أن نتعظ من مثل هذه الآيات؟ هو الرين الذي يكون على القلب وكلما كان الإنسان من ربه أقرب كان اتعاظه أكبر وكلما كانت المعاصي كثيرة على نفسه كلما إبتعد حتى يكره الموعظة ويقع عنده إعراض يصل إلى حد الكره. لماذا تذكره بخلاف ما هو متمتع به؟ والمشكلة أيضا كأن ختام الآية يشير إلى أن كون الإنسان لا يفوز بالجنة وفي كونه لا يتعظ ولا حتى يتذكر الموت أو يتنغص بذكر الموت هو الانشغال بالدنيا ولذلك قال العلماء والحكماء "حب الدنيا رأس كل خطيئة". كنت أظن هذه مبالغة ولكن وجدت أن الإنسان لا يعصي الله إلا عندما يحب الدنيا فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الصالحة وغير ذلك كل هذا بسبب حبه للدنيا. يجب على المسلم أن يطهر قلبه من حب الدنيا وليس المطلوب هو ألا يسعى فيها وألا يطلب المال بل المقصود ألا تقع في قلبه وألا تزاحم حرصه على الحياة الآخرة ولذلك قال {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} المتاع عندما يذكر في القرآن يراد به الشيء الذي يتمتع به ثم يزول {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) النازعات} ساوى بيننا وبين الأنعام ما يؤكل ويشرب لأنه يذهب ويزول. ولذلك وصف الكفار الذين لا يهتدون بهدى الله {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف} والله سوّى بيننا وبين الأنعام في جانب الاستمتاع بالأكل وبالحياة الدنيا فنحن والأنعام فيه سواء. فينبغي على المؤمن أن ينظر للآخرة وتصبح الدنيا في يده وسيلة لتلك الغاية السامية ولا يستطيع ذلك إلا من وفقه الله لذلك. تأمل في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان كيف كان من الأثرياء في زمانه وبالرغم من ذلك كان لا يسبقه أحد في البذل للإسلام وفي معركة تبوك جهز جيش العُسرة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى فقال ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم. جمع القرآن بين أمرين في كونهما يغران الناس هما {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) (من 33 لقمان)} الغَرور وهو الشيطان. إذاً أضر شيء بالإنسان هما هذان الأمران الشيطان الذي يوسوس الذي لا يكف عن الوسوسة والحياة الدنيا التي تغر الإنسان غرورا شديدا. وقد حمعها الشاعر فقال:

إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير