تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بقول "الذين" طبعا قوله "الكاظمين" فيها (الـ) تعني الذين. ولكن لا شك أن التصريح بـ"الذين" أقوى من (الـ) فلما بدأ بالإنفاق قال "الذين" ولم يقل "المنفقين" مع أن لو قال "المنفقين والكاظمين " لكانت متناسقة. قوله "الذين ينفقون" كأنه قصد على أن ينبه على أن هذا الإنفاق متجدد وليس ذلك صفة لازمة مع أنه ورد {وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)} (آل عمران) ولكن في هذا الموطن يشار إلى أن الإنفاق تكون هذه الصفة متجددة والإنفاق خصوصا. ولما جاء للكاظمين وهو خلق مرتبط بالنفس قال (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) لأنه خُلُق أي ما يتحلى به ويجب أن يكون وصفاً لازماً. و"العافين" أيضا وصف لازم وكذلك لما قال {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} هذا إشارة إلى لازم الخبر في قوله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وكيف أنه ما قال (والمحسنين) كأن الآية الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والمحسنين لكنه قال (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). فلو تأملنا الآية , نجدهم ينفقون في وقت الغنى والسعة والضراء غير ذلك أن يكون فقيرا لا يستطيع أن ينفق فينفق مثل ما ذكر عن عبد الله بن جعفر عندما كان ذاهبا للشام فمر بعجوز قدمت لهم ما تستطيع فقال لغلامه ما معك؟ قال معي عشرة ألف درهم, قال أعطيها إياها قال يكفيها كذا درهم فهي لا تعرف قال ولكني أعرف نفسي ولما ذهب إلى معاوية قال له ما وجد في الطريق فكافأه. المقصد من ذلك أن بعض الناس عندهم طبع الكرم في النفس والكرم في المال وقلّ أن يأتي كرم المال بدون أن يكون هناك كرم في النفس في الغالب لا يأتي كرم المال إلا مع كرم النفس. وأحيانا يكون العكس وهو قليل جداً أن الإنسان يعطي ويكون هناك بعض الانزعاج ولكن الغالب يتوافقان: كرم النفس وكرم المال. والأصل أن الكرم هو النفاسة والعلو فتسمية الإنسان الذي يعطي كريما ليس لأن معنى العطاء هو الكرم ولكن لأن هذا من أظهر الصفات التي يمتدح بها الإنسان وتكون ظاهرة عليه سميت هذه بهذه. فالكريم هو النفيس في الأشياء فيقال كريمة فلان لأنها نفيسة عنده والأحجار الكريمة لأنها عالية القدر ونفيسة.

لما بدأ بالإنفاق كان في ذلك إشارة إلى الجهاد بالمال وارتباطه بآيات الجهاد وآيات الربا. كلما جاء الربا في القرآن جاء معه آيات الإنفاق كما في سورة البقرة {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} وسورة الروم {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)}. الربا هو أخذ أموال الناس بغير حق. قيل إذا أردتم أن تربوا ربا حقيقيا ينفعكم عند الله سبحانه وتعالى فأنفقوا فإن الله يعطيكم بالدرهم الواحد عشرة أمثال إلى سبعين ضعف إلى سبعمائة ضعف أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وهي نسبة غير معلومة وهذا هو الربا الحقيقي. الناس يتفانون الآن ليكون عندهم نسبة 2% والله يعطيك نسبة لا تحلم بها!.

في قوله تعالى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} لاحظوا كيف جاء بهذه الأشياء متدرجة وهذا يذكرنا بالحديث حول سر ترتيب الأشياء في كتاب الله عز وجل. فأقول كيف جاء بالكظم ثم العفو ثم الإحسان تذكرنا بالقصة المشهورة لغلام للمأمون إذ أنكفأ الإناء الذي يحمله الغلام وكان حارا فانسكب عليه. شعر الغلام بالخوف فهو الآن في قبضة الأمير وسينتقم منه فقال يا أمير المؤمنين والكاظمين الغيظ، قال قد كظمت غيظي. قال والعافين عن الناس قال قد عفوت عنك، قال والله يحب المحسنين قال اذهب فأنت حرٌ لوجه الله. وهذا غلام فقيه إستغل الفرصة. كظم الغيظ هو مثل كظم القربة إذا امتلأت بالماء أمسك بطرفيها لكي لا يخرج منها الماء. هذا هو الكظم فكأنه قد امتلأت نفسه بحب الانتقام ولكنه أمسكها. لكن إذا كظم غيظه فلا يعني هذا أن ما بنفسه قد ذهب ولذلك جاء بعدها العفو وهو الإزالة. عفا الأثر أي ذهب أثره. وبعض الناس عنده القدرة على كظم الغيظ وليس لديه القدرة على العفو أي تبقى في نفسه وبعض الناس عندهم العفو وليس عندهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير