تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في هذا الزمن زمن الذل والهوان على المسلمين قد كثروا بالفعل وواجب عليهم أن يحتسبوا هذا الأمر عند الله سبحانه وتعالى فإن الله سيجزيهم عليه جزاءاً عظيماً. ثم جاء بالقسم في (لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) هذه اللام موطّئة للقسم، فالله سبحانه وتعالى يُقسم وكأنه يضمن لهؤلاء الذين قاتلوا وقتلوا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيله يقسم الله عز وجل أن يكفّر عنهم سيئاتهم وجاء بالتكفير مقابل هذه الأعمال.

(لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) هذا باب التخلية و (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وهذا باب التحلية، هذه القاعدة الغالبة كما يقول تعالى في كثير من الآيات (غفور رحيم)، غفور هذه تخلية ورحيم تحلية، فهنا قال (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) وهذا الإدخال ليس لجنة واحدة وإنما جنات (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) الرحمن) لا يُعطى الإنسان في الآخرة جنة واحدة وإنما هي جنات يتنقل بين هذه الروضات والمنازل المتعددة والقصور الفارهة العظيمة والخيام التي من لؤلؤ، هي جنات لمن يصبر على هذا الأذى والإخراج والهجرة وينال هذا الأجر العظيم ولهذا قال في آخر السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فالمسألة تحتاج إلى صبر ومصابرة. وقد ذكر الصبر في أول السورة (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)) بدأ السورة بالصبر وختمها بالصبر ولذلك لم يُعطَ الإنسان عطاء أوسع من الصبر. ولذلك نلاحظ الآن نحن لا نعظّم خُلُق الصبر كما عظّمه الله عز وجل، نحن للأسف لم نتخلق بخلق الصبر وكل شيء عندنا في عجلة وقلة صبر، ابن القيم قال "إن الصبر هو سيد الأخلاق"، فالشجاعة صبر ساعة، الكرم صبر على بذل المال، الحلم على عدم الاستثارة، كل الأخلاق تجدها تحتاج إلى صبر. ولذلك لما ذكر تعالى في سورة البلد (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ?11? وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ?12? فَكُّ رَقَبَةٍ ?13? أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ?14? يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ?15? أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ?16? ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ?17? أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ?18? وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ?19? عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ?20? البلد) تواصوا بالصبر لأن فك الرقبة وإطعام المسكين في يوم المسغبة هذه الأعمال العظيمة التي ذكرها تحتاج إلى صبر. ونحن للأسف لا نتدرب عليه ولا نُربى عليه بشكل يليق به، لا نربي أنفسنا ولا نربي أبناءنا ولا طلابنا ولا مجتمعاتنا على الصبر. وليس الصبر المذموم وإنما ضبط النفس وضبط الأخلاق والمفترض في إدارة المرور مثلاً أن يطرحوا دورات في الصبر، والغربيون نجحوا في هذا أكثر منا فتعودوا على الصبر والانتظار حتى في الصناعة والتعلم أما نحن بحكم المَدَنية المعاصرة التي تسهِّل على الناس أصبحنا نستبطئ الساعة فإذا أُعلن في مطار عن تأخير رحلة ترى الناس ينزعجون انزعاجاً هائلاً وما يدرون ما الحكمة من هذا التأخير.

في قوله سبحانه وتعالى (ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) والثواب مأخوذ من مادة تاب وتاب إذا رجع، غذا تأملنا تسمية هذا بالثواب كأنه لك ثم تبت إليه لكن لا تتوب إليه إلا بالأعمال الصالحة وقريب منها المآب ولذلك قال (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ) مآب يعني مرجع، والمرجع بالأعمال الصالحة. وقالوا هذا الذي أعطاك الله هو ثواب، توبته عليك فكأنك رجعت إلى حال مقدرة. وكأنه تذكير بالحالة التي كنا عليها، فآدم عليه السلام كان في الجنة ثم أُهبِط منها بسبب الذنب والآن رجعنا إلى المكان الذي خرجنا منه وكأننا تبنا وأبنا إلى المكان الذي كنا فيه. لكن نلاحظ أن المكان كان في الجنة فأهبط منها والآن ينبغي منا أن نصعد إليها والصعود ينبغي له جهد وشغل وليس كالهبوط فيمكن بسيئة واحدة تهبط لكن الصعود يحتاج لبذل جهد (فَلَا اقْتَحَمَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير