تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْعَقَبَةَ ?11? وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ?12? فَكُّ رَقَبَةٍ ?13?). كل واحد منا يتصور أنه يصعد في سلم إلى السماء إلى الجنة معناه كلما أصلي أو أصوم أو أزكي أصعد إلى السماء درجة وكلما كان العمل فيه مشقة وجهد كلما كان الصعود أعلى. ولذلك هؤلاء أخرجوا من ديارهم وهاجروا وأوذوا في سبيل الله وقاتلوا وقتلوا كل هذه مصاعد.

وكأن القائل يقول انظر إلى هؤلاء الكفار يتمتعون ويتنعمون ونحن في هجرة وإخراج فقال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ) هذه الحقيقة نحتاج إلى التذكير بها وهي تقال كثيراً، كلما أراد أحدهم أن يمثل بالحضارة يقول انظروا إلى الغرب ماذا فعلوا وهذه مِنيّة صادقة وهذا حقّ لا نرده ولا نُنكره لكن لا نريد كثرة الطَرْق على هذا الجانب كأننا نحن متخلفين لأننا نحن أصحاب الحضارة والحضارة الحقيقية هي التي نبعت من الوحي ونحن أصحاب الحضارة الحقيقية وأصحاب الوحي والله سبحانه وتعالى (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ) هم لا شك يتقلبون في النعم وشوارعهم أفضل من شوارعنا وحضارتهم المادية قد بلغوا فيها شأواً والذي نتمتع نحن به الآن هو من حضارتهم لا شك عندنا بذلك لكن الواقع الذي نعيشه اليوم محزن بالنسبة للمسلمين.

فائدة هنا الملاحظ أن الثواب هنا نُسب إلى الألوهية وليس إلى الربوبية وأن بداية الخبر كانت ربوبية (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) لكن لما ذكرت بعض الأعمال المرتبطة بالعبودية جاء ذكر الألوهية لأن الألوهية من عند الله. والتوجيه أن مقام الألوهية مقام عبادة يعني ألِهَ أي عَبَد ولما ذكر جملة العبادات نسبها إلى الألوهية لأنها أنسب لها مع أن الثواب أحياناً قد يأتي من الرب لكن المقام الآن حسُن أن يذكر فيه لفظ الجلالة لارتباطه بالعبادات التي ذركت من قبل، هذا أمر والأمر الثاني أن الألوهية فيها عظمة وتمكن فكأنه أراد أن يبين أن هذا الثواب عنده وله ومُلكه فهو الذي يهب لمن يشاء ويمنعه من يشاء فهو أعطاهم الثواب من عنده تفضلاً فتستشعر هذا المعنى. وهناك معنى أن هذه الأعمال التي ذكر الله ثوابها أعمال فيها مشقة وكأنها ليس فيها معنى اللطف والربوبية، فيها قتل وفيها إخراج من الديار فعبر الله سبحانه وتعالى بالألوهية ليدل على أنه يستحق سبحانه وتعالى أن كل هذه التضحيات من أجل الله سبحانه وتعالى ولهذا قال بعدها (وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ). إن كان هناك ثواب فهو عنده، قُدّمت العندية على الثواب كما قالت امرأة فرعون (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (11) التحريم) الجار قبل الدار.

قال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196)) لا شك أن كثيراً من المسلمين وقعوا في مخالفة صريحة لهذه الآية وهو اغترارهم بالكافرين حتى قالوا وجدنا في الغرب إسلاماً بلا مسلمين، هذا غير صحيح مع أن هؤلاء يتقلبون في نعم عندهم حضارة ولا ننكر شيئاً من ذلك ونرى أنهم قد حازوا شيئاً ينبغي لنا نحن أن نحوزه ولكن علينا أن لا نغترّ به فما دام الإنسان قد فقد الإيمان وفقد الصلة بالله عز وجل فهو في الحقيقة فقد البوصلة في هذه الدنيا فلا يعلم أين يتجه؟ ولذلك انظر إليه يعيش الإنسان وهو يكدح في الدنيا ما عنده هدف آخر، ما الفائدة؟! ولأن أعيش في بيت شعر في صحراء قاحلة وأعرف من أنا ولماذا خُلِقت أحب إلي من أعيش في ناطحة سحاب وعندي ملذات الدنيا كلها ولا أدري لماذا خُلِقت.

حدثني أحدهم في قوله سبحانه وتعالى (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ (26) المائدة) فقلت بنو إسرائيل ما كان تيههم أربعين سنة وإنما هم تائهون إلى اليوم لأن التيه الحقيقي هو الضلال عن الهداية وليس التيه أنهم ضلوا الطريق إلى فلسطين. هذه الهداية التي أنعم الله بها عليهم ينبغي أن نستحضرها دائماً ونعلم كيف يمكن أن تتجاوز العقبات وكيف تغفر خطاياك هذا الهم الأكبر عند المؤمن وهو ينرظر إلى ما عند الله وإلى ثواب الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير