تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ) فيها إشارة إلى أن الكفار لديهم من بهرج الحياة ما قد يغرّ المؤمن، وهذا واضح لمن يتأمل في حياتهم وما عندهم من حضارة وتكنولوجيا ولديهم أشياء متقدمة وهذا قد يغرّ، وهم يقولون هذا الكلام ونحن لا نشكك في النيات، هو يقولونه من باب حثّ المسلمين أن يأخذوا بأسباب القوة وهذا لا شيء فيه، لكنه قال تعالى (مَتَاعٌ قَلِيلٌ) لا يساوي أن يُغترّ به، بالرغم من كل هذا إلا أنه قال (مَتَاعٌ قَلِيلٌ). (ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) معناه أن العبرة بالنهاية والمؤمن العاقل ينظر إلى النهاية لا تغرّه الحياة الدنيا، ينبغي أن ترضى أن تكون مشرداً بإيمانك ولا تكن عاقبتك إلا هذه العاقبة الحميدة ولا تستعجل كما يستعجل وبعضهم يرتد عن دينه والعياذ بالله. ولذلك يذكرون قصة جَبَلة ابن الأيهم عندما كان أميراً في النصارى من الغساسنة ثم أسلم في عهد عمر وكان يطوف حول الكعبة فوطئ أحد المسلمين على ردائه فأنف منه ولطمه فاشتكاه إلى عمر فقال لطمة بلطمة فكبرت في نفسه كيف يُلطم وهو أمير فاستمهل رسول عمر إلى اليوم الثاني فلما كان اليوم الثاني هرب وارتد ثم كبر وندم ندامة شديدة على ردّته وكتب قصيدة من ضمنها:

تنصّرت الأملاك من أجل لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

لو كان صبرت وتحملت على أمل النجاة في الآخرة وعدم الاغترار بالدنيا والاستعجال بنعيمها.

(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ) هذا الذي ينبغي أن يسعى إليه الناس وينافسوا فيه، هذا هو السعي. وهنا يذكر بقضية التقوى التي ذكرت في هذه السورة كثيراً (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)) (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) النُزُل هو المكان الذي يُعَدُّ للضيف ولذلك في بعض البلاد يسمون الفنادق نُزل. (نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ) وفيه إشارة إلى الاحتفاء الشديد بالمؤمن والمتقي وأنه يجد في الآخرة من الحفاوة، وسبحان الله المؤمن في الدنيا يُبتلى ثم منذ أن يموت يبدأ النعيم، منذ وفاته وفي قبره وفي الحشر وفي الجنة، يقول تعالى (أعد الله لهم) (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) (نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ) فيها إشارة إلى حفاوة ولذلك لو كنا فعلاً نعي هذه المعاني لعملنا لما بعد الموت ولذلك قيل" والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت".

تكلم القرطبي عن الاستدراك في (لكن) (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ) لأن هذا من غرائب الاستدراك، الاستدراك على ماذا؟ الاستدراك هنا حالي، لو تأملنا أنه كان يتكلم عن المؤمنين أولاً ثم ثنّى بالكلام عن الكفار، عندما قال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)) لكن المتقين حالهم مختلف تماماً. قال القرطبي في تفسيره: "في قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ) استدارك بعد كلام تقدّم فيه معنى النفي؛ لأن معنى ما تقدّم ليس لهم في تقلُّبِهم في البلاد كبير الانتفاع، لكن المتقون لهم الانتفاع الكبير والخُلْد الدائِم".

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ) كأنه عود إلى ما حدث في أول السورة دعوة أهل الكتاب وأهل الإيمان فتختم السورة بما بدأت به. قال في أول السورة (اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ (4)) بدأت بذكر الكتب السابقة ثم عُرّج على حال أهل الكتاب ثم ذكر (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ) منهم مؤمنون صادقون خاشعون لله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير