تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) ويقرأ الآية في سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (71)) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسددنا فيما نقوله من استنباطات وفوائد.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1))

في افتتاحه سبحانه وتعالى لهذه السورة العظيمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) افتتاح رائع جداً. أولاً النداء هذا لا يخرج منه أحد لا مسلم ولا غير مسلم وكلهم يدخلون في هذا الخطاب، فهو أمر لجميع الناس الذين يبلغهم هذا الخطاب بتقوى الله سبحانه وتعالى فيقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) ما قال اتقوا الله فهنا أمر بالتقوى لجميع الناس المسلم وغير المسلم وتذكير له بأنه مربوب لله سبحانه وتعالى وأنه لا يخرج عن ربوبية الله سبحانه تعالى لا برّ ولا فاجر، لا مسلم ولا غير مسلم حتى الملحد الذي ينكر أن هناك إله فهو لا يخرج عن هذا النداء ولا يخرج عن ربوبية الله سبحانه وتعالى شاء أم أبى. هذا أولاً تعميم الخطاب للجميع وهذا يدل على رحمة الله سبحانه وتعالى بنا.

قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) لأن الربوبية ومظاهرها يمكن أن يتعرف عليها كل إنسان بخلاف الألوهية التي قد يحتاج الإنسان فيها إلى الوحي في أنه يتعرف على الله وما يستحقه وما يجب من الثناء عليه لكن الربوبية آياتها عقلية ظاهرة يستطيع أي إنسان أن يهتدي من خلال آيات الربوبية إلى وجوب تقوى الله سبحانه وتعالى. فهذا الارتباط عجيب، في أول آية أُمر الناس فيها بالعبادة في القرآن (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة) نفس الاستدلال، وهنا قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) تستطيعون من خلال آيات الربوبية أن تصلوا إلى هذا المعنى الذي يُراد أن تقوموا به. وهذا نصّ عليه سبحانه وتعالى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (61) العنكبوت) موضوع الربوبية. أبو حنيفة كان يناظر بعض الناس في موضوع الربوبية فتأخر عليهم قالوا ما بالك؟ قال قد أهمّني أمر منعني من الحضور وهو أنني سمعت بخبر سفينة مليئة بالأموال ومليئة بالخيرات وهي تسير في البحر وليس لها قائد وتهتدي إلى طريقها دون قائد يقودها فقالوا جميعاً هذا غير ممكن قال بل هذا ممكن، فقال سبحان الله! سفينة تُنكرون أنها تمشي في البحر دون قائد وتزعمون أن هذا الكون كله ليس له خالق! فالشاهد أن هذه مسألة عقلية.

الأمر الثاني أنه وصف نفسه بوصف يجبب إليه خلقه فقال (رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) والإنسان يشعر بالامتنان لمن أحسن إليه ولا يُنكر الإحسان إلا رجل ليس عنده مروءة، فالله يقول (الَّذِي خَلَقَكُم) امتنّ عليكم بالخلق وهذه موجودة في القرآن كثيراً. لكنه قال أيضاً (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وهذا غاية المساواة، أين الدعوة إلى المساواة التي ينادي بها الغرب والله سبحانه وتعالى نصّ عليها في الكتاب؟! وجاء بها في أكثر من موضع فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات) وهنا يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير