تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) فيها قراءتان، (وَالأَرْحَامَ) قراءة الجمهور والقرآءة الأخرى (وَالأَرْحَامِ) وهذه قراءة حمزة. يقول العُليمي قراءة العامّة بالنصب أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ حمزة بالخفض (وَالأَرْحَامِ) أي به وبالأرحام وقال الأولى أفصح (قرآءة الجمهور). وهذا منهج للعلماء سلكوه في إبراز الفصيح والأفصح من القراءات وبعض المتأخرين ينزعج من هذا التعبير أنه لا يجيز قول الفصيح والأفصح مع أن هذا مخالف لقوانين لغة العرب، ولغة العرب فيها فصيح وأفصح، لكن كل كلام الله سبحانه وتعالى في الذروة العليا من الفصاحة ثم يتفاضل بعد ذلك. ولكن لا يُفهم من قول أفصح أن الثاني ليس فصيحاً، بينما هذه القرآءات وصلت إلى حد الفصاحة التامة ثم بعد ذلك تتفاضل في مجال الفصيح والأفصح فقط. وربما لو عبّروا بدل الفصيح والأفصح بعبارة أخرةى تكون ألطف مثل أشيع، مثلاً نقول (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) هذا أشيع في الاستخدام، لكنهم وصفوه بالأفصح لأن العرب يستخدموها. هذه مصطلحات ليس فيها إشكال لأنها مصطلحات معروفة ومتداولة. والأخطر من هذا في هذه القرآءة هو موقف البصريين اعتراضهم على القرآءة حتى أن المبرِّد توفي سنة 285 هـ وهو أكبر البصريين في عصره قال عن هذه القرآءة: "لو قرأ بها قارئ في الصلاة لتأبطت نعلي وخرجت من الصلاة". يرى أنها قرآءة فاسدة بالنسبة له. ونلاحظ أن كثيراً ممن عالج قضية القرآءات يتشدد في الاعتراض على من اعترض فيتكلم عن المبرّد أو يتكلم عن غيره من العلماء الذين اعترضوا على بعض القرآءات تجد أنه يكون سليطاً أحياناً وبعضهم يكون شديداً في النقد والحقيقة أن هناك ملحظ أرى أنه مهم جداً ينبغي أن لا نغفل عنه وهو البحث عن السبب الذي دعا هذا العالِم الكبير _نحن نتكلم عن المبرِّد إمام أهل البصرة في زمانه وليس طالب علم- فلم أجد إلى الآن من بحث عن السبب الموجب الذي دفعه للإعتراض على القرآءة ولو عرفنا السبب يخفف عنا وطأة التعامل مع هذا العالِم أو غيره. عندنا عاطفة في تلقي هذه المعلومة وأنه قد ردّ قراءة متواترة! ولا يُتصوّر أن المبرِّد ينكر القرآءة لو كانت متواترة عنده، لكن كان هناك قوانين يعملها المبرِّد أوصلته إلى هذه النتيجة. وإن كنا نحن نخالف، ولكن المقصد أنه لا بد أن نعرف ما هو السبب الموجِب ولا يُتصور أن مثل هذا العالِم كان يُطلق هذا جزافاً.

ودراسة التاريخ ضرورية جداً في هذا الباب وأظن والله أعلم وهذه تمر في كل مسائل العلم وليست في القرآءات وحدها. أحياناً تجد مسألة في بادئ الأمر قولاً فيه شذوذ ثم بعد ذلك يتتابع الناس حتى ينقطع مثل هذا القول فتستغرب كيف قال فلان مثل هذا القول؟! لأنه تصور المسألة بصورة معينة. البحث التاريخي في أي أمر يُجلّي لنا الحقيقة. ولذلك في موضوع القرآءات أشيعت القرآءات المتواترة واتفق على أن هؤلاء القرّاء كل ما يتلون به قد تواتر وأنه منضبط وقد فحصه العلماء فحصاً إسنادياً ولغوياً بحيث لا يلدّ عنه شيء، هذا جاء في القرن الرابع (ابن مجاهد ومن بعده) وما كانوا يطلقون عليهم متواتر وإنما كانوا يقولون قرآءة مستفيضة، لكنهم يرون أنه ما قرأ بها فلان إلا لأنه قرأها على عدد يستحيل تواطئهم على الكذب أو لا يمكن أن يكون هذا النقل فيه شيء من الاختيار الشخصي الخارج عن الرواية. في السابق كان ذلك محتملاً في عهد المبرِّد أو غيره من الأئمة المتقدمين الذين رويت عنهم مثل هذه الاعتراضات كان ذلك غير موجود ومن المحتمل أن هذه القرآءة كانت بمحض السليقة أو اللغة وهذا احتمال وارد لأنها ما تواترت عندهم ولهذا ينقدها نقداً لغوياً متجرداً ولا ينظر إلى الاعتبارات الأخرى وربما لو علِم بصحة الرواية مثلاً فتختلف القضية. وقد وقع الطبري رحمه الله في مثل هذا كثيراً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير