تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خلواتك تصرفت كيف تشاء فيقال لك إتق الله، الله رقيب عليك مطلع عليك لا تغيب عنه لحظة، إذن ركن التقوى هو المراقبة. وفي قضية الأرحام المراقبة مهمة جداً لأنه يمكن أن لا تحسن وأن لا تسيء ولا يسألك أحد لكن يبقى حق الله، اتق الله، أنت الآن إن نجوت من مراقبة أرحامك سواء قدّمت لهم أو لم تقدم، وصلتهم أو لم تصلهم فإن الله سيسألك عن هذه الرحِم، إتق الله، هذه ليست قضية اختارية لكنها قضية يتعبّد الإنسان بها. ولا شك أن الختام واضح وظاهر المناسبة.

لو تأملنا الآية فيها نوع من العموم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ولذلك في قولة عتبة بن ربيعة للرسول صلى الله عليه وسلم "ناشدتك الله والرحِم" وهي من عادات الجاهلية عندهم مع أنهم كانوا يخلّون ببعضها مثل قضية اليتيم بالذات والمرأة مع أنهم كانوا يعنون بالرحِم ويسألون بها لكن هناك صور من الرحم عندهم فيها خلل من عاداتهم في الجاهلية وجاء الإسلام ليصحح هذا الخلل، يبقي ما بقي صحيحاً عندهم ويتمم.

إذن هذه الآية عامة ثم دخل في التفصيلات ولهذا ابتدأ بحق اليتيم فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ثم قال مباشرة (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) اليتامى جنس من الأرحام مما كان يخل به أهل الجاهلية فحسن الابتداء به ولأنهم أضعف هؤلاء الأصناف لا يستطيعون أن يعبّروا عن حقوقهم ولا أن يستجلبوها ولا أن يدافعوا عنها ولهذا جاءت العبارة (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) آتوا، أدّوا، أعطوا بيان للحق وأمر بتقديمه من دون مقدمات لأن حق ظاهر جداً. (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) نسب الأموال إليهم معناه أن هذا المال ليس تفضلاً منكم ولكنه حق ثابت لهم خالص لا شك فيه ولا بديل.

سؤال يرد في كتب التفسير: كيف يقول (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) وصفة اليتم تزول عن الشخص إذا بلغ لأنهم يقولون اليتيم الذي مات والده من الناس والذي ماتت والدته من البهائم وسمي اليتيم يتيماً لأنه منفرد ويقال هذه قصيدة يتيمة يعني ليس لها نطير أو شجرة يتيمة منفردة بعيدة عن الشجر، واليتيم سمي يتيماً لأنه أصبح بلا معين ولا ناصر مات والده الذي كان يعيضده وينصره، فلما يبلغ تزول عنه صفة اليتيم فيستحق أن يُعطى المال إذا بلغ رشده وزالت عنه صفة اليتم. والخطاب في الآية (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) لأن اليتيم يحتاج إلى ماله يُنفَق عليه منه قبل بلوغه فيُعطى حقه فلا يتكفف الناس ويسألهم، وإنما يُعطى ماله الذي هو له والذي هو حقه. ومعنى المال في هذه الآية يختلف عن المعنى في الآيات التي ستأتي (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (6)). فالآية الأولى مقصود بها أن تنفق عليه من ماله وهو صغير والآية الثانية تعطيه ماله بعد أن تستوثق منه.

وفي قوله تعالى (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) التعبير بالإيتاء يختلف عن التعبير بالإعطاء (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) الكوثر)، ويأتي في القرآن الإيتاء ويأتي الإعطاء وكلاهما معناهما الكلي واحد لكن هناك فرق بين الإيتاء والإعطاء. وقد يكون في افيتاء معنى التأتي شيئاً فشيئاً أما الإعطاء فيكون جملة ولكن هذا يحتاج لتتبع أكثر واستقراء أكثر ولكن هذا الذي يظهر لي في معنى الإيتاء أنه يأتي شيئاً فشيئاً والإعطاء دفعة واحدة (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36) النبأ) جاءهم دفعة واحدة (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) أعطيه دفعة واحدة وانتهى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير