تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مما قرئ عليهم هذه السورة. ونزلت آية المباهلة في حقهم مثلاً. على سبيل المثال في هذه الآيات حديث عن اليهود في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ (21)) وهؤلاء ليسوا النصارى وإنما هم اليهود. وأيضاً فيها حديث عن الذين في قلوبهم زيغ (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ (7)) لو تأملنا القرآن الكريم ما وصفت طائفة بالزيغ إلا اليهود (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (5) الصف) أيضاً لم يوصف بالرسوخ في العلم إلا علماء اليهود المؤمنون كما في قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا (7)) (لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ (162) النساء). هذه الإشارات ترجح والله أعلم أن هذه الآيات ليست خاصة بوفد نجران على الخصوص وإنما نزلت لمجادلة أهل الكتاب عموماً ويدخل فيهم اليهود ابتداءً، وهم الذين ينطبق عليهم أنهم يثيرون هذه الشبهات ابتغاء الفتنة، وهذا شغل اليهود. ولذلك قال بعض المفسرين أن النصارى عندما جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمور كان يكفي أن يجاب عليهم بتلاوة سورة مريم كما فعل جعفر مع النجاشي فإنه مجرد أنه تلا على النجاشي وعلماء النصارى سورة مريم وكان فيها جواباً شافياً لما أراده النصارى وهو أن عيسى عليه السلام عبد من عباد الله (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم) لكن هنا لما نتأمل في مجادلة النصارى يأتي الحديث عن أشياء عن الذين حاولوا قتل عيسى وصلبه (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ (157) النساء) فالجو كأنه جدال مع اليهود ابتداءً. وهذا كلام وجيه لكن عبارات المتقدمين في النزول فيها تسامح فلا يلزم إن قلنا أنها نزلت سورة آل عمران في وفد نجران أن تكون نزلت فيهم مباشرة دون غيرهم وإنما اختلط، فيه نوع من الاختلاط فلا يُترك ما ذكره الصحابة وخصوصاً ابن اليمان أشار في صحيح البخاري أنها نزلت في وفد نجران وهو ممن شهد الحادثة فنقول للتقريب بين وجهات النظر أن من هذه الآيات 83 آيات نزلت محاجة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نصارى وفد نجران واختلطت بآيات أخرى فعُبِّر عنها بمجموعها أنه نزلت في نصارى وفد نجران ولا نقول أن الآيات من الآية الأولى إلى الآية 83 نزلت بخصوص وفد نجران فقط ابتداء وإنما نقول من هذه الآيات ما نزل بخصوصهم فنسب إليهم فالحدث بالنسبة للصحابة يُحفظ، فلعل هذا يقرب الفكرة. وهو قاعدة أنه في الغالب عندما يتكلم العلماء عن سبب نزول سورة آل عمران نصارى وفد نجران لا يريدون أنه ليس له سبب نزول آخر ففيها آيات متعددة وعندنا غزوة أحد فلو قال أحد سبب نزولها غزوة أحد لا يبعد وإنما المقصد النظر إلى أول السورة.

فائدة: أحياناً بعض الروايات في سبب النزول تكون روايات من الناحية الإسنادية غير قوية وتعبيرات المفسرين غير صريحة فعندها نلجأ إلى سياق الآيات ونظمها فيظهر لنا ترجيح إما تقوية لهذا القول أو ذاك أو ترجيح قول آخر قد يكون أولى. وهذا يعطي جانباً آخر عند المرجِّح وهو الجانب التاريخي ولذلك مع الأسف تجد أن النقد التاريخي قد يكون موجوداً عند بعض المفسرين لكن جمع اصول النقد التاريخي والاستفادة منها –ولا نقول تطبيقها بحذافيرها- لأنه دائماً وهذه قاعدة مهمة ينتبه لها طالب العلم تطبيق منهج علم بحذافيره على منهج علم آخر هو كسر للعلم الثاني مثلما جاء بعضهم وأراد يطبق منهج قبول الرواية الحديثية في الأحكام في أحاديث الحلال والحرام على السيرة النبوية خرج بعدها منهج السيرة صفحات يسيرة. المقصد النظر في أصول المنهج التاريخي والبحث التاريخي يفيدنا بقضايا مرتبطة بهذا المنهج كما ذكرت سابقاً عن اليهود وكونهم ذُكِروا في هذه الآيات ولعلنا أن نعطي بعض الأصول وبعض القواعد التي يمكن أن يستفيد منها السامع في تحرير مثل هذه القضايا حتى لا يكون عنده لبس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير