تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. الخضيري: واضح جدّاً، خصوصاً في آية الصيام: "أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرّفث إلى نسائكم". طبعاً الليل لباس وستر، وللزّوج ستر خاص فيه، يكون مكوّنًا من هذه المرأة التي هي أصلًا خُلقت من ضلعه، فهي لباسٌ له.

د. الطيّار: هناك قضية يكثر الحديث عنها: وهي هل يمكن إدراك سرّ البلاغة من خلال معرفة مدلول اللّفظ، وموقعه في الآية وهي لفظة (وبثّ)؟، لاحظ استخدام لفظ " بثّ"، " يوم يكون النّاس كالفراش المبثوث"، وأيضاً: "فكانت هباءً منبثاً"،يعني بثّ بمعنى نشر. لو أنت تأمّلت، أو قلت لأحدهم أعطِنا من دلالة "بثَّ" هذا السّر الإعجازي في اختيار الألفاظ، لم تُختَر لفظة " نشر" أو غيره مما يدل على المعنى، إنّما بث. مهما اجتهد المجتهد ليُعبّر عن دِقّة هذا الاختيار وتناسق هذا الاختيار مع محيط الآية، يعني ما قبل اللّفظ وما بعدها، أو مع مثيلاتها فإنّه يبقى أنّه يقدِّم لنا شيئا يسيراً، ولكن يبقى في النّفس شيء لا يمكن أن يخرج، لذلك فإدراك سر الإعجاز صعب، والتعبير عنه أصعب.

د. الشّهري: إي والله صحيح، كنت أتحدّث مع أستاذ للّغة الفرنسية، وأستاذ متمكن ما شاء الله في المغرب، فقلت له: كيف أنت في اللغة العربية يا دكتور؟. فكان متكأً فجلس وتنّهد فقال: انظر، اللّغة العربية هي اللغة التي يصح أن يُقال عنها لغة!

د. الخضيري: سبحان الله!.

د. الشهري: أنا ولله الحمد، أتحدّث الفرنسية، وأتحدّث الإسبانية، ولديّ معرفة جيدة باللغة الإنجليزية، لكن الحقيقة اللغة العربية هي اللغة التي تحتوي المعاني الدينية، المعاني التي يريد الله سبحانه وتعالى أن تبلغ البشر ما وجدت أكثر قدرةً عن التعبير عنها من اللغة العربية.

د. الخضيري: لا إله إلا الله.

د. الشّهري: ويقول هذا وكأنّي أثرت نقطة حسّاسة في نفسه. وقال: هذه قناعة وصلت لها بعد دراسة عميقة للغات اللّغة الأوروبية، ولمّا أتأمّل في اللّغة العربية، وجدت فعلاً أنّ فيها من الثراء، وقال: أنا لا أقول هذا تعصبّاً لكوني عربيّا ولا، أبداً، ولكنّي أجزم وأنا أريده ولديّ بعض الأبحاث في هذا. الحقيقة اندهشت من ذلك الحديث الذي تحدّث فيه عن بلاغة اللغة العربية وقدرتها على حمل المعاني القرآنية والرَّبانية.

د. الخضيري: طيّب، أنا بدا لي أمر ما أدري إذا توافقوني عليه أم لا؟ الله أراد أن ينبث النّاس، أنا أرى من يريد أن يجمع النّاس في مكان واحد، يخالف هذه السُنَّة والإرادة الإلهية، وهذا مما يُضِّر الآن بالنّاس، وخُصوصاً الآن بعد مجيء الحضارة إلى مثل دُولنا نحن التي تعتبر يعني واضح التخلّف عليها، وهذا شيء مشهود، اجتمع النّاس في مدن، هذه المدن تكلفة الآن يعني اجتماع النّاس فيها أصبحت باهظة جدّاً، في التصريف، في الكهرباء، في الماء، في توزيع الطرق، في توزيع الحقوق إلى آخره. ولذلك أصبحت عبئاً على النّاس. ألا ترون، أنّ بقاء النّاس كما كانوا سابقاً يعمرون الأرض، وينبثّون فيها، الرُّعاة في أماكنهم،وأهل الجبال في جبالهم، وأهل السُّهول في سهولهم، وأهل الرّمال في رمالهم، وأهل الصَّحاري والقُطب أيضاً يبقون في أماكنهم. لتُعمَر هذه الأرض لينتفع كل جماعة منهم بما عند الجماعة الأخرى.

د. الشِّهري: والحقيقة فعلاً، أضّر تجمّع النّاس في أماكن محدّدة، أضّر فعلاً بهم إضراراً بالغاً، يعني انظر لبعض المناطق، على سبيل المثال: عندنا في الرّياض مثلا، تجمّع النّاس في الرّياض، وأتوا من كل مكان، وضاقت الرِّياض حقيقة بمن فيها، وأصبح العيش فيها صعباً، وأصبح أيضاً القدرة على شراء أرض غالٍ جدّاً، في حين لو تفرّق النّاس في أماكنهم وعُمرت الأرض لكانت خفّت عليهم واستطاع الجميع أن يعيشوا فيها، وأنا أتصّور حتى في الحضارات القديمة، أنا كنت أقرأ في كتاب في الجغرافيا قديماً في كون النّاس في العادةً يتجمّعون عند أماكن موارد المياه، وعند الأنهار ولذلك الحضارات قامت على شواطئ الأنهار، إلى اليوم فيما يبدو لي، حتى تعاني منها مصر فيما يبدو لي، تعاني من تجمّع النّاس في القاهرة على ضفاف النّيل. وأن أكثر أجزاء مصر خالية الآن غير معمورة، وهذا كلُّه يخالف كلمّة " بثّ"، نحن نقول لا جمعوهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير