من النِّساء ومن اليَتامى، وكيف أنَّ الإسلام بدأ يَنزع من قلوب هؤلاء الذّين عاشوا على هذه الأوصاف ينزع منهم هذه الأمور حتى يُوصلهم إلى مرحلة الكمال لتخليته ثمَّ التَّحلية.
د. الشِّهري: وأيضاً في قوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) أيضاً فيها تعبيرٌ بالأكل عن أخذ الأموال وإلاَّ لا يوجد أحد يأكل الدراهم هذه، لكن عبَّر الله سبحانه وتعالى هنا بالأكل لتبشيع أخذ مال اليتيم بغير حق، ولأنَّ الأكل هو أبرز الصِّفات للانتفاع بالمال، والأمر الثاني ليس هناك أحد يستفيد من المال المأكول، يعني الطّعام الذي تأكله أنت لا يستفيد منه أحد بعد أن تأكله، لكن إذا أخذت المال فإنّه يستفيد منه غيرك، ولذلك عبّر الله بهذه الصِّفَّة للإشارة إلى أنَّك عندما تتجرأ على أكل مال اليَتيم فكأنّك تُفسِدُه فيَفسُد ولا يَستفيد منه أحد بعدك لأنَّك أكلته ظُلماً وعُدواناً، فالتعبير فيما يبدو هنا بالأكل للدِّلالة على هذه المعاني تبشيع أولاً أمر الجُرأة على أكل مال اليتيم، والأمر الثاني للإشارة إلى حُرمة هذا المال.
د. الطيّار: فإذا أُكِل لا يعود.
د. الخضيري: في قوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) نُريد الحقيقة الحديث عن قضِّية التعبير (بإلى)، هل هي بمعنى (معَ) كما يذكره بعض المُفَّسرين أم أنّها تشير إلى فِعلٍ آخر في ضِمن قوله (ولا تأكلوا).
د. الطيّار: بعض المُفَّسرين قدَّره بِقوله (ضامِّينَ).
د. الخضيري: نعم، لا تأكلوا أموالهم ضامِّينها إلى أموالكم، فيكون عندكم أموال ومع ذلك جَشَعُكُم وطمعُكم وعدم رِضاكم برزق الله لكم، والله قد وسَّع لكم في الرِّزق فلستم فقراء ومع ذلك طمعتم في أموال هؤلاء الضعفاء، وهذا كما ذكرت يا دكتور عبد الرَّحمن في غاية التبشيع والتقبيح لفِعلهم (ولا تأكلوا أموالهم) ضامِّينها أيضاً إلى أموالكم التي ملَّكَكُم إيَّاها ربُّكُم ووسَّع عليكم بها، فما الذِّي يُحوِجُكُم إلى أن تُضيِّعوا على أنفسكم بهذا المال لهؤلاء الأيتام.
د. الطيّار: ألا تُلاحظون هنا في تكرار أموالهم، أموالهم التَّأكيد على أحقِّيتهم بالمال يُضاف إليهم ويتكَّرر، للتَّنبيه على أنّهم هم الأحقّ بالمال وهم أصحاب المال
د. الشِّهري: يعني أنت مجرّد مشرف على هذا المال، ريثما يَبلغهم الرُّشد ثم تُسَّلمه.
د. الخضيري: العجيب في الآية أنَّها جاءت بمنطق التَّدرج، فأولاً قال (آتوا اليتامى أموالهم) هذا هو الكَمَال يُؤتَون هذا المال كاملاً مُوَفَّراً، ثمَّ جاءَ إلى مرحلة ثانية هي ليست أكلاً للمال تامَّاً ولكنَّها فيها نقصٌ من المال (لا تتبَّدلوا الخبيث بالطيَّب)، وجاءت إلى المرحلة القبيحة الثالثة التي هي جَشع ظاهر وإثم كبير قال (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) ثمَّ عقَّب بقوله (إنَّه كانَ حُوباً كبيراً) ما الُحوب يا دكتور عبدالرحمن؟
د. الشِّهري: الحُوب الكبير، الحقيقة أنَّ الحديث في مفردات القرآن عندما تقرأ في كُتب التَّفسير، عندما تأتي إلى التَّفسير الميَّسر كما عند الشيخ مساعد تقرأ (إنَّه كان حُوباً كبيراً) إنَّه كان إثماً عظيماً، لكن هل الحُوب هو الإثم؟ الحقيقة الذي يبدو لي والله أعلم أنّه أشَّد من التعبير بالإثم وأنَّ المقصود بـ (الحُوب) هو الإثم الضّخم الكَبير البَّشع، أنَّ كُل هذه المعاني يُعّبِّر عنها كلمة حُوب. لكن ماذا يصنع المُفَسِّرون عندما يأتون لكي يُبيِّنون مثل هذه الكلمات الغريبة؟ يأتون إلى أقرب لفظةٍ يتداولها النَّاس فيُعبِّرون بها. فمن أراد الاستزادة من معنى هذه اللَّفظة فليرجع إلى كُتُب اللُّغة المُوَسَّعة.
د. الخضيري: مثل؟
د. الشِّهري: مثل كُتب (غريب القرآن)، مثل (المفردات) للرَّاغب الأصفهاني مثلاً أو حتى أحياناً قد لا تجد فيها التَّفاصيل التي تطمح إليها، لأنَّكُ تُلاحِظون النَّاس يا إخواني في التَّفسير تقول له إرجع إلى التَّفسير المُيَّسر مثلاً فيقول أنا رجعت للتفسير الميَّسر وقرأته لكنَّه لم يشفِ غليلي، طيِّب جميل! طيب إرجع إلى تفسير ابن كثير فيرجع إلى تفسير ابن كثير فيقول أنا قرأت تفسير ابن كثير ولكن في هذه اللَّفظة لم أجد أنَّه شَفَى غَليلي، طيِّب بسيطة إرجع إلى كِتاب (تهذيب اللُّغة) للأزهري وهُو من كُتُب المعاجم اللُّغوية الواسعة، فيرجع إلى كلمة (حَوَبَ) مثلاً فيجد أنَّه فصَّلها وذكر
¥