تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. الشِّهري: الحقيقة فعلاً التَّعبير بالخوف عن العلم موجود في القرآن الكريم، وموجود أيضاً في لُغة العرب، ويقولون أنَّه يُعبَّر بالخَوف عن العلم، للإشارة إلى أنَّ الخوف يكون باعثاً على العلم، فمثلاً قوله سبحانه وتعالى (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى) قالوا معناها وإن غَلب على ظنِّكم وعلمتم أنَّكم ستظلمون هؤلاء اليتيمات، طبعاً هي نزلت في اليتيم كما عُروة بن الزُّبير – رضي الله عنه- سأل خالته عائشة – رضي الله عنها عن هذه الآية في قوله (فإن خفتم ألا تُقسِطُوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) كما تفضَّلت، فقالت: "يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حِجر وليِّها فيُعجبه مالها وجَمالها ويُحبِّ أن يتزوَّجها" فنُهِي وليُّ اليَتيمة أن يتزَّوج هذه اليتيمة ولا يُعطيها صَداقَها كاملاً يعني يبخسها صداقها، فنُهُوا عن هذا العمل إلا بشرط أن يُعطيها أعلى سُنَّتِها في الصَّداق.

د. الخضيري: كأن يُعطي أعلى نظيراتها في الصَّداق.

د. الشِّهري: نعم، كما قال في آية أخرى (وترغبون أن تنكِحوهُنَّ) والنبي صلى الله عليه وسلم قد سُئل عن هذه الآية أيضاً كما سُئلت عائشة. فإذاً هذه الآية إرشادٌ لوليّ اليتيمة، أنت الآن عندك يتيمة ومالهُا عندك أنت المسؤول عنه، وأنت لا ترغب في الزّواج بها لجمالها أو شيء من هذا القبيل. فالله سبحانه وتعالى قد وجَّهك توجيهًا آخر، لا تتزَّوجها فلستَ مُلزماً بذلك فَتَظلِمها وتُعطيها أقل من حقِّها في الصدَّاق وتزّوج ما شئت من النِّساء غيرها لك أن تتزّوج زوجة أو زوجتين أو ثلاثة أو أربعة كما في هذه الآية (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء مثنى وثلاثَ ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً) فالتَّعبير بالخوف في هذه الآية للإشارة إلى أنَّه إذا غلب على ظنِّكم وخفتم وعلمتم أنكم لن تُقسطوا في هذه اليتيمة إما انّها فعلاً أنّها ليست جميلة فتضغط على نفسك وتتزّوجها وتظلمها بهذا فلا تفعل ذلك ودعها تتزَّوج ممن ترغب ممّن ترضى لها دينه وخُلقه، وأنت تزَّوج ما شئت من النِّساء غيرها.

د. الخضيري: طبعاً كلمة (خفتم) جاءت في الآية مرَّتين، ويظهر أنَّها في نفس المعنى (فإن خِفتم ألا تعدلوا فواحدةً) يعني إن غَلَبَ على ظنِّكم أنَّكم لن تعدِلُوا بين النِّساء فاقتصروا على الواحدة فذلك أخيرُ لكم وأبعدُ لكم عن الرِّيبة والشُّبهة.

د. الشِّهري: طبعًا هذه الآية في سورة النِّساء هي أصلٌ في إباحة زواج الرَّجل من أربع زوجات، وهذه الآية واردة كما تُلاحظون في شأن اليتيمة أصلاً، فالبعض أحياناً ممن يرُيد أن يقصُر معناها على هذا المعنى وهو أنّه لا يجوز للرَّجل أن يتزوج بأربع نساء أو بثلاث او بثنتين إلا إذا كانت هذه حالته أن يكون وليِّا ليتيمة لا يرغب في نِكاحها فالله أباح له أن يُعدِّد لِكي يُعتِق هذه اليتيمة تتزّوج من تشاء.

د. الخِضيري: هذا قطعاً ما فهِم كلام العرب ولا عرف كيف يُفَسَّر القرآن. لكن في قوله (فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) هذه كأنّها أمرٌ بعد حظر والأمر بعد الحظر عند العلماء يدل على الإباحة ولا يدل على الوجوب، حتى لا يَظنّ بعض النَّاس أنَّ هذه الآية دالة على الوجوب، لا نعلم أنّ أحداً من أهل العلم حمل الآية على الأمر على الوجوب مثل قول الله عزّ وجل (فإذا قُضِيت الصَّلاةُ فانتشروا) لأنَّه أمَرَ بالبقاء لاستماع الخُطبة، ومثل قوله (فإذا حللتم فاصطادوا) فهذا أمرٌ بعد حظر، والحظر بمعنى المنع، والأمر بعد الحظر يدل على الإباحة كما يُعبِّر عنه الأصوليين وبعضهم يقول أنَّ الأولى أن يُقال أنَّ الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر.

(فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) الحقيقة أنَّ النِّساء يا أبا عبد الملك يعني عاقلات، ومع ذلك عبَّر عنهنَّ بـ (ما) الدَّالة في عُموم كلام العرب على غير العاقل، والأصل أن يُقال فانكحوا من طاب لكُم من النساء، فما هو السِّر في ذلك؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير