تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عليها، أو إتيان الرَّجل لرجل مثله، أو السَّرقة فهذه تُسمَّى فواحش ومثلها كما سيأتينا بعد قليل ولعلّنا ننّبِه عليها أيضاً مرة أخرى في الحلقة القادمة إذا يسَّر الله (ولا تنكحوا ما نكح آباءكم من النِّساء إلا ما قد سلف إنَّه كان فاحشةً)، سمّى الله منكوحة الأب يعني نكاح زوجة الأب فاحشة لأنّها مستبشعة، ولذلك قال بعده (ومقتاً) يُورث المقت والبغضاء لأنَّ العادة أنّ الزّوج الذي يلي على المرأة يُبغِض الأوَّل لأنَّ المرأة تجلس دائما تذكره وتُقارن فلان ما كان يقَّصر عليّ، فلان كان يصنع لي كذا. فإذا كان ابن الأوّل سبباً لورود البغضاء بينهما فالحاصل لمّا قال (واللاَّتي يأتين الفاحشة) يعني أنَّ هذا الأمر المنكر الذي يُهتدى إلى نُكرانه بالعقول لو لم تَرِد به الشّرائع، فكيف وقد وردت به الشَّرائع.؟!

د. الشِّهري: ألا تُلاحظون معي في التعبير بقوله (يأتين) وقوله (واللَّذان يأتيانها) إشارة إلى أنَّ هذه الفاحشة قد اُرتكبت بنوع من الإصرار وكأنَّه هو قد أتى إلى هذه الفاحشة وأنَّ هذه النَّفس قد ألِفت هذه الفاحشة مما تستوجب الكفّ والمعاقبة وإقامة الحد. أليس كذلك؟

د. الخضيري: يقولون الشَّر الدُّخول فيه لجاجة يعني يلِّج الإنسان فيه بِقوّة، بِخلاف الخير، الخير موافق للفِطرة وموافق للهَدي العام وأيضاً لفطرة الله وصِبغته في كلّ شيء، ولذلك انسجام الإنسان في عِفَّته يُعتبَر هَدياً قاصداً، أمَّا إذا أراد أن يَخرج تجده يحمل نفسه حملاً حتى يدخل في هذا الوادي المظلم من أودية المنكر والمعصية نسأل الله العافية والسَّلامة. لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فَخِذيه أضمن له الجَنّة"، فالإنسان يستطيع أن يحفظ ولكنَّه إذا أراد أن يَذهب إلى أرض المنكر نسأل الله العافية، ويُدخل نفسه في هذا البلاء فإنّه يَلِّجُّ فيها لجَجّاً.

د. الشِّهري: وهذه الحقيقة دلالة كلمة (يَأتين) وكلمة (يَأتيانها) فيها هذه الإشارة والله أعلم، يعني أنّهم يقصدون إلى هذه الفواحش قصداً مما يستلزم من المجتمع أن يقف لهؤلاء بالمرصاد وأن يُقيم الحدّ، كما قال الله (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، كثيرٌ من النَّاس فِعلاً تُدرِكه الشَّفقة عند إقامة مثل حدِّ الرَّجم خاصَّة تُدركه الشَّفقة وربَّما يَعطِف على هذه المرأة وعلى هذا الرَّجل فالله سبحانه وتعالى قد حذّر من هذا ونهى عنه في هذا الموطن وأنَّه لا ينبغي للمؤمن أن تَأخذه رأفة بمن وقع في مثل هذه الفواحش.

د. الطيَّار: العَجيب في قضِّية أيضاً لها دِلالة، الله سبحانه وتعالى شدَّد وغَلَّظ في قضية الشَّهادة هنا في قوله (فاستشهدوا عليهنَّ أربعةً منكم فإن شَهدوا) يعني وقعت شهادته متوافقة أو متطابقة وقع الحكم ولهذا في الإسلام لمَّا شهِدَ ثلاثة على أبي بكرة جُلِد، فَنقُول من باب التَّنبيه إنَّ هذا الحُكم يَدل على أنَّ الإسلام يَحرص على السِّتر، وأنَّ من أذنب فاستتر بذنبه واستغفر الله منه فإنَّ الله يغفر له، لكن إذا وصل الُحكم إلى الَحاكم اختلف الأمر كما حصل في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً هذا كونه أربعة من الشهداء يجعل الإنسان لو شَهِد منفرداً أو شهد اثنان أو شهد ثلاثة يعني لم يَتِمَّ أربعة فإنَّهم أولى النَّاس بأن يستروا، لأنّهم إن لم يفعلوا صاروا قَذَفة يُقام عليهم حد القذف ولا مخرج. ولهذا صارت هذه الشَّهادة شَهادة مُغَلَّظة، يعني متى تأتي بأربعة فيَشهدون هذه الشَّهادة التَّامة التي لا يختلف بعضها عن بعض، ولهذا نقول إنَّ مما يجب أن يُنتَبَه لهُ هذا الأمر، في أنَّ من -لا سمح الله- وقع على أمر من هذا فإنَّ عليه أن يَسكُت ولا يتكلّم به، وأن يَكِلَ أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى.

د. الشِّهري: الحقيقة أنّ هذا غَاية الاحتياط والله للأعراض، لأنّه متى يَتيّسر أربعة شُهود يَشهدُون على مثل هذه الواقعة إلا في حالة إذا كانت هذه المرأة أو هذا الرَّجل الذي يُمارس هذه الجريمة رجل قد استهتر بالدِّين وبِالعِرض وأصبح يعني ولغ في هذه الجريمة ممَّا ربَّما يَدفع النّاس لمتابعته ومراقبته والشّهادة عليه، أليس كذلك؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير