د. الخِضيري: نعم، والعجيب أنَّ الحكم يا أبا عبدالله، كما ذكرنا قبل قليل انتهى وهو قوله (فأمسكوهُنَّ في البيوت)، لكن استشهاد أربعةلم ينتهِ، بَقي، وهذا تَابع لِقَول الله عزَّ وجل فيما سبق من السُّورة (وليَقُولوا قولاً سديداً).
القول السَّديد يعني الموافق للصَّواب، ونحنُ هُنا نُوَّجه الحقيقة رسالة لإخواننا ولأنفسنا في أن يَتثَّبتوا فيما يَنقلون ويقولون على أنفسهم أو على النَّاس لِيحرصوا على ألاَّ يتَكلَّموا بكلمة إلا وهم يعلمون أنَّهم ينقلونها عن ثِقّة وعَن وقوع، وأيضاً ليست كل كلمة تُقال حتى لو وقعت ما يقول الإنسان أيَّ كلام لأنّ الله تعالى قال في هذه السُّورة أيضاً (إذا جاءهم أمرٌ من الأمنِ أو الخوف أذاعوا به) على سَبيل الذّم، (ولو رَدُّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لَعَلِمه الذِّين يستنبطونه منهم) يعني لا تُسَارِعوا في إذاعة أمر ولو كان حقًّا حتى تعلموا أنّ في إذاعته مصلحةً عامّة ويتحقّق به خير لكم وللمسلمين.
د. الطيّار: الحكمة من إمساك الزَّانية في البيت واضح جِدّاً هو أن يكون هناك استصلاح لها في البعد عن الرِّجال، وتعويدها على العَّفة التي فقدتها.
د. الخِضيري: وأمرٌ ثالث هو أنَّ هذه المرأة لو خَرجت إلى النّاس بعد فعلها الفاحشة لأصبح النَّاس يُشيرون إليها، فَدَعِ النّاس ينسون ذكر هذا الأمر تماماً.
د. الشِّهري: وهو نفس المعنى الذِّي وُجِد في التغريب.
د. الخِضيري: في التغريب تمام، فيكون أيضاً معنىً مهمَّاً وهو إنساء المجتمع هذه الفاحشة لأنَّ كثرة ترددُّها على الألسنة قد تُهَيِّأ نفوساً أخرى إلى الوقوع فيها
د. الطيَّار: وهُناك ملحظ دقيق جدّاً وخفي، وكأنَّه يُشَار إلى أنَّ سبب الوقوع في الزِّنا هو الخروج، فقُوبِل الخروج بالإمساك يبدو لي، ولهذا أنبِّه على هذا في أنّ خروج المرأة سبب من أسباب الوُقوع في الزِّنا، ولكن ليس معنى هذا أنّ كل امرأة تخرج فلا يُفهم من كلامي أنّ كل امرأة تخرج،لا ولكن نقول أنّ هذا لا شك أنّه ييسِّر هذا السَّبيل.
د. الخِضيري: لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أَذِن الله لكُنَّ أن تخرجُنَّ لِحاجِتِكُّنَّ. انظر قد أذِنَ للدَّلالة على أنّ الأصل أنّ المرأة تَقَرّ في بيتها لقول الله تعالى (وقَرنَ في بيوتكنَّ ولا تبَرجنَ تَبرُّجَّ الجاهليّة الأولى)
د. الشِّهري: هذا والله دِلالات جميلة جدّاً في الآية، هذا الآن قوله سبحانه وتعالى في النِّساء، ثمّ قال: (واللَّذان يأتيانها منكم فآذوهما) هناك معنى موجود في هذه الآيات وموجود في آيات سُورة النُّور، أنَّ الله سبحانه وتعالى قدَّم المرأة على الرَّجل في مسألة الفاحشة فقال في سورة النّور (الزَّانية والزَّاني فاجلدوا كل واحد منهما) وهنا قال (واللاَّتي يأتين الفاحشة) في حين أنَّه في حدود أخرى قدَّم الرَّجل فقال (والسَّارق والسَّارقة) فما هي الحكمة برأيك يا دكتور محمّد؟
د. الخضيري: طبعاً الحِكمة ذكرها كثير من أهل العلم، وهي أنَّ الزِّنا من المرأة أقبح وأشدّ نُكراً وتَوابِعه عليها أكثر، الرَّجل- أكرمكم الله- يزني ثُمَّ يذهب خَفيفاً، أمَّا المرأة إذا تزني قد تحمل ويَبقى الولد عارٌ عليها وعلى أسرتها، ثمَّ أيضاً دَلالة أخرى وهي أنَّ المرأة في الغَالب في موضوع الزِّنا هي التي تكون هيَّأت للرَّجل أسبابه، في العادّة أنَّ الرَّجل لا يكاد تطمَح عَينه إلى امرأة قد استترت عنه، وإنَّما تطمح عينه ويتهيّج للقيام بهذه الفَعلة بالمرأة التي ألانت في القول، وخضعت به، أو تبذَّلت في لِباسها أو كما ذَكر دكتور مساعد قبل قليل أكثرت في الخروج والوُلوج فرآها النّاس فبدأوا يُراودونها. وهذا نراه حتى من أصحاب المنكرات يقولون المرأة المستترة لا نُفكِّر أنّنا نعاكسها أو أننّا نحاول أن نتحرّش بها، أمّا تلك المرأة التي قد أبدت مفاتنها لا شك أنّها تكون محل ريبة.
د. الشِّهري: جميل،هذا معنىً بديع.
¥