د. الخضيري: في قوله (واللذَّان يأتِيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) من العلماء من حمل هذه الآية على اللُّوطييِّن، لأنَّ هذه الآية الوحيدة التي جاءت في ذكر حَدِّ اللِّواط، وإنَ كَان سائرَ المُفَّسرين أو أكثرهم حملوها على الزانيِّين بين الرَّجل والمرأة، وكان هذا في أوَّل الإسلام قبل أن يُبيِّن الحُكم.
د. الشِّهري: حقيقة الآية محتملة لهذا وهذا، ولعلّها تُحمل عليهما ما المانع من حملها على المعنييِّن؟. في قوله تعالى (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) الحقيقة فيها فائدة تربوية مهمّة جِدّاً في عدم تذكير المُذنب بذنبه إذا تاب وأنَّ مجرَّد تعييره وتذكيره بالذّنب تهييج له على العودة عليه من باب العِناد والمُراغَمة.
د. الخضيري: صحيح هذا أوَّلاً، والثَّاني تَعييِّره بهذا الذّنب قد يُهيِّأ آخر للوُقوع فيه لأنَّه يَشعر فلان وفلان كلهم قد وقع منهم، طيِّب أنا واحد أيضاً من هؤلاء، أمَّا إذا تعفَّف النَّاس عن ذِكر ذلك حتى على وجه التَّثريب والعَيب والتَّعيير فإنّ النّاس لا يكادون يسمعون هذا الأمر، ويشعرون أنّه لا يمكن أن يقع.
د. الشِّهري: ولذلك لاحِظ حتى لمَّا جاء الحكم النّاسخ وهو الجَلد والتَّغريب للزَّاني البِّكر، الحقيقة أنَّ التغريب يَكُّف ألسنة حتى النَّاس عن ذِكر هذا الرّجل لأنَّه إذا غاب عن العيون فإنَّه يغيب بأخباره وبماضيه فينساه النّاس، في حين أنّه إذا بقي في المجتمع ويَرونه يَغدو ويروح، أو يرون المرأة تغدو وتَروح فإنّهم يجعلهم يَستعيدون تلك القصَّة انظر كيف حرص الإسلام على تنقية المجتمع وتطهيره حتى من هذه الألفاظ قال (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما).
د. الطيّار: وهذا يدل على أنَّ هذا الأمر يُمكن إدراكه، لما قال (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) فالتَّوبة والإصلاح أمرٌ يمكن إدراكه.
د. الشِّهري: ألا تُلاحِظون يا إخواني الآن، الله سبحانه وتعالى وهو التَّواب الرّحيم حتى في ختامه الآية (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنَّ الله كان توَّاباً رحيماً) ثمّ ذكر التَّوبة بعدها، كيف أنَّ المجتمع أحياناً لا يَغفر أليس كذلك، يعني يرى المرأة الزّانية في المجتمع لا تعود في نظر المجتمع كما كانت من قبل، ولكن قد تكون بعد التوبة خيٌر من قبلها لذلك هذه الآية فيها عدّة فوائد منها: الفائدة الأولى ينبغي على المسلم أن يتَحَرَّز غاية التَّحرُّز من الوقوع في هذه الشُّبهات وينبغي على المسلمة أن تُغلِق كلَّ بابٍ قد يُفضِي إلى هذه الفِتنة، والأمر الآخر: أنَّ على المجتمع المسلم أيضاً أن يتقبَّل التائبين وأنَّ هذا جُزء من مسئوليات المجتمع المسلم أنَّه يتقبّل التَّائبين ويكون عوناً لهم على التَّوبة، ولذلك لاحظوا عندما كان يُؤتى بأحد الصّحابة ويُجلد على شُربه لِلخَمر فبعضُهم يَذُّمَّه، فيقول النَّبي صلى الله عليه وسلّم: لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم. وأنَّه ينبغي على المجتمع المسلم فعلاً أن يتقبَّل التَّائب وأن يُعرض، انظر ما اجمل قوله إلى قوله: فأعرضوا عنهما. يعني كأنّك تغاضَّى عن الموضوع تناسى الموضوع لأنّ نفسك تدفعك للحديث
د. الخضيري: ورد في السُّنّة يا أبا عبدالله ما يُؤيِّد ما ذكرت في قوله: إذا زنت أمَةُ أحدكم فليجلدها الحدَّ ولا يُثّرِّب، فإن عادت فليجلدها الحدّ ولا يُثَّرِّب، فإن عادت فليجلدها الحَدَّ ولا يُثَّرِّب، فإن عادت في الرَّابعة فليبعها ولو بحبلٍ من شعر. أي َّ أنَّ هذه لا تصلح، الشّاهد في قوله: ولا يُثّرِّب فلا يُعيِّرها لأنَّ التعيير مثل ما ذكرت دكتور عبدالرّحمن قبل قليل يُهيِّأ النَّفس على العودة للمعصية يتذَّكَّرها وأيضا يُهيَّأ الآخرين على الوقوع فيها. نسأل الله العافية والسَّلامة.
د. الشِّهري: هل يمكن يا إخواني أن يقول مثل هذا الكلام بشر؟ لا يمكن والله أن يقول مثل هذا الكلام بشر يعلم النُّفوس. ولذلك من الأشياء الجميلة التي تجدها في بعض كتب البَّلاغيين قضِّية دراسة أسرار البلاغة في مثل هذه الآيات، وأنَّك تستشِّف من وراء هذه الآيات إلهاً يعلم السِّرَّ وأخفى، وليس بَشراً يُشَّرع لِبشر ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ليقول مثل هذا الكلام أبداً وما ينبغي له أليس كذلك، هناك قال (وما ينبغي لهم وما يستطيعون). هذا شيء فوق طاقة المخلوقات أن يقولوا مثل هذا الكلام الذِّي يتحدَّث عن خائنة الأعين والنُّفوس لا يمكن هذا.
د. الخضيري: في قوله (فإن تابا وأصلحا) نرغب بمعرفة الفرق بينهما، لأنه قد يظن بعض الناس أنّ هاتين الكلمتين قد يدُّلان على معنى واحد، حقيقة اجتماعهما يدل على افتراقهما فما هو الفرق؟
د. الطيّار: واضح أنَّ التَّوبة تعود إلى النّفس، والإصلاح يعود إلى السُّلوك، لأنَّ توبته في القلب، والصَّلاح في العمل.
د. الخضيري: بمعنى النَّدم على ما مضى، والصَّلاح صلاح في العمل لا نراه في الأماكن المُريبة التي كان يعتادها ونراه قد بدأ يعتاد المساجد، ويجلس مجالس الرِّجال الصّالحين فهذا يُعتبر صلاحاً في حقّه.
د. الشِّهري: جميل، لعلَّنا إن شاء الله في اللِّقاء القَادم، لأنَّ الوقت الآن انتهى معنا، لأنَّه جاء بعد هذه الآيات التي وردت فيها ذكر الفاحشة والحدّ، حديثاً رائعاً جِدّاً عن التَّوبة، عن معنى التوبة، وعن شُروط التَّوبة و كيف تكون، وعلى من تكون التوبة، لعلَّنا نبتدأ المجلس القادم بإذن الله تعالى بالحديث عن التوبة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا وعلى إخواننا المشاهدين، وأن يجمعنا وإيَّاهم جميعا على خير ولعلنا نكتفي بهذا في هذا اللِّقاء، ونلقاكم أيها الإخوة المشاهدون بإذن الله تعالى في اللّقاء القادم من سورة النِّساء وأنتم على خير، حتى ذلك الحين. نستودعكم الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 9 رمضان 1431 هـ
¥