تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التَّوبة والاستغفار لتأتيَك رحمة الله، ومدده، ونصرُه، وعَونُه، وحِفظه وكَلآءته، ورعايُته، وهذا معنى ينبغي لنا أن نُرَاعِيه دائما، ولذلك كان العلماء لكي يحصلوا على كل خير ومنه العلم، وخصوصاً في مواطن الإشكال يُكثرون من الاستغفار لأنَّهم يعلمون أنّ ما يحول بينهم وبين فهم المسائل، أو فهم النُّصوص، أو حلِّ المشكلات والخروج من المُعضِلات هو الذُّنوب (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) الشرح). فهذا معنى جميل في هذه الآية.

د. الطيَّار: أيضاً نرجِع إلى الفِكرة السَّابقة وهي قضية الانتقال من موضوع إلى موضوع بحُسنِ تخلُّص، لمّا قال (إنَّ الله كان توَّاباً رحيماً) قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) ثم سيقول بعدها (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ) ثم ينتقل من التَّوبة إلى موضوع آخر سيأتي، طيِّب (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) ولاحِظ كيف جاءت (عَلَى اللّهِ) وكأنَّها نوع من الإلزام، وهو سُبحانه وتعالى لا يُلزمه أحد فهو القَويِّ العَزيز، ولكن سبحان الله كيف يتحبَّب إلى خَلقِه حتى يُلزمَ نفسه بأنّه يتوب على من تاب!

قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ)، وابن عبَّاس رضي الله عنهما الحقيقة له كلامٌ جميل، قال: كلُّ من عَصَى الله فهو جاهل، فليس الجهل هنا الجهل بالعلم، إنَّما هي الجهالة التي هي أنَّه ما دام أنَّه عمل السوء ففي حال عمله السُّوء فهو في حال جَهَالة، فهذا من ابن عبّاس طبعاً معنىً دقيق جدّاً ولا ترتفع هذه الجهالة إلا بالتَّوبة، ولهذا قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) يعني يُلحِقُون فعلهم السَّيئ هذا بتوبة.

د. الخِضيري: إذاً يا دكتور مساعد ممكن بعض النَّاس يفهم الآية فهماً خاطئاً، يعني أنَّ مَن عَمِل الذَّنب وهو جَاهل أنَّه ذنب فهذا يتُوب الله عليه، ولكن من عَمِل الذَّنب وهو لا يجهل أنَّه ذَنَب فهذا لا يتوب الله عليه هذا ما يفهمونه، وهذا ليس هو المراد من الآية، فالجهالة هُنا ليست الجّهل، الجهالة هي الاقتحام على المعصية، أنت جَهِلت على نفسك عندما تقحَّمت المعصية وفَعَلتها، هذه منك جهالة.

د. الطيّار: ولهذا لاحظ قال بعدها (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً)، يعني لاحِظ التَّوبة، إنَّما التَّوبةُ، يتوبون، يتوبُ الله عليهم إذاً تكرُّر هذه اللَّفظة مرَّة بعد مرَّة ثم في الأولى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) عامَّة، (ثُمَّ يَتُوبُونَ) هذا فعل العبد، يأتي فعلُ الرَّب (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ)، ولهذا التَّوَّاب ابتداءً، والتوَّاب انتهاءً، فالله سُبحانه وتعالى يتوب على عباده ابتداءً فسُّمِّيَ التوَّاب، ويتوب على عباده انتهاءً يعني بعد فعلهم الذَّنب فهو توَّاب، يعني يرجعُ إليهم بالحَسَن إليهم منه سبحانه وتعالى بعد توبتهم، ولهذا نقول إنَّ موضوع التَّوبة سبحان الله من الموضُوعات التيِّ مهما اجتهدت في إِبراز هذه القِيمة الكَبيرة جِدّاً أوهذه الصِّفة العَظيمة جِدّاً وهي قَضية التَّوبة ما ِمن شك في إبرازها في أنّك لا تستطيع في أن تُوَّفِيَها حَقَّها مِن الألفاظ، وأنا عندي أنَّ هذا ممَّا يَستعصي على الألفاظ أن تُبيِّنه وتُبرِزَهُ، ولهذا تجد من اللَّذة والفرَح بالتَّوبة ما يَجعلك أحياناً تفرح بالذّنب الذيِّ أوصَلَكَ إلى هذه التَّوبة، تقول الحمدلله الذِّي قدَّرَ ليَ هذا الذَّنب لأَصِل إلى هذه التَّوبة.

د. الخضيري: ورُبَّما صحَّت الأجسادُ بِالعِلل.

د. الطيّار: ولهذا بعض النَّاس حالُه بعد التّوبة خيرٌ من حاله قبل التَّوبة، لأنه قبل التوبة قد يكون في غفلة، وقد يكون ينظر لنفسه نَظرَ المُحسن وأنَّه ممن يُطيع الله، فإذا وَقَعَ في الذَّنب ذَلَّ لله سبحانه وتعالى وانكسر لله سبحانه وتعالى، فارتفع بهذا الانكسار إذا قُبِلَت توبته فرجع إلى حال أحسن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير