تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. الخضيري: وأيضاً يا أبا عبدالملك، يذهب عنه في باقي عُمرِه كُلِّه ما يُسَمِّيه العُلماء بالعُجُب، بمعنى كل ما أراد أن يُعجب بعمل أو بحسنة قدَّمها تذَّكَرَ ذلك الذَّنب فانكَسر، هذا الذُّل والانكسار مطلوب لِتأدِيب هذا العبد حتى يَبلُغ الكمال، ولذلك ابن القَّيم - رحمه الله - في طريق الهجرتين ذَكَر بحثاً جميلاً في حِكمةِ الله تعالى في تقدير الذُّنوب، وأنَّ لله حِكَم عظيمة في أن يُقَدِّر على العَبد أن يقع في الذَّنب، العبد يجتهد في أن لا يقع في الذَّنب ولكن يوقعه الله عزَّوجل رحمةً به، لكي ينكسر، ويذِّل، ويتذَّكَّر، ويُكثر من البُّكاء ويُكثِر من الاستغفار، فَيُحصِّل - كما ذَكَر الدُّكتور مساعد - بعد ما يقع في هذا الذَّنب ويتوب منه من الخَير عند ربِّه سبحانه وتعالى أكثر ممّا كان عليه قبل الذَّنب، كما قال الله عزَّوجل في سورة الفرقان: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)).وهذا من عظيم فضل الله عزَّوجل على هؤلاء التَّائبين.

د. الشِّهري: تلاحظون في قوله (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) طبعاً أنتم تحدَّثتم عن الجَهالة أنَّ المقصود بها ليس عدم العلم، قد يُقدِم الإنسان على الذَّنب وهو يعلم أنَّه معصية ويُسمَّى جَهَالة، لكن المعنى الآخر أنَّه قال ثمَّ يتوبون من قريب، قد يَفهم البَعض أنَّ المقصود يتوب مباشرة بعد وقوع الذَّنب وبابُ التَّوبة مفتوح من كل ذنب، ولذلك يقول المفسِّرون إنَّ كل من تاب قَبل أن يُغرغر فقد تَاب من قريب.

د. الخضيري: هذا المعنى هو معنى الرُّخصة، في أنَّ الإنسان يُتاحُ لهُ أن يَتوب حتى يُدرك، لكن الأَوْلى والأجدر بالإنسان إذا وقع في الذَّنب أن يُسرع إلى التَّوبة ليكون أمكن في القُرب، ولأنَّه لا يَدري مَتى تأتي المَنيِّة قد تأتيك مَنيُّتك وأنت نائم، أو تأتيك على حِين غِرَّة وهذا معنىً أيضاً مُهِمّ جدّاً ينبغي أن يفهمه القارئ من هذه الآية، ولذلك نُلاحظ أنَّ الذُّنوب التي يقع فيها الأنبياء أو ذَكَرَها الله عزَّ وجل على الأنبياء ما في ذنب يُذكَر إلا وتُذكَر توبةُ النَّبي مُبَاشرةً، لنأخذ مثال نوح لمّا قال ( .. رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (47) هود).

د. الشِّهري: مباشرةً، وموسى أيضاً قال (فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ (16) القصص) مباشرة.

د. الخضيري: ويُونس وسليمان وداود (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ص) (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) فدَلَّ على أنه باشر التوبة مباشرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير