تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. الشِّهري: الآن عندما يقول الله سبحانه وتعالى (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) كما تفضَّل الشيخ عندما قال الإظهار في موضع الإضمار هذه مكرَّرة معنا في السُّورة في قوله سبحانه (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ) وكانَ بالإمكان أن يقول (فأولئك يتوب عليهم) ولكنَّه قال (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ) فأظهر لفظَ الجَلالة في هذا السِّياق إشارة إلى التَّرغيب في التَّوبة، وإلى تعظيم شأن التَّوبة من جِهَة، إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذِّي يتوب عليك، فما عليكَ من النَّاس، وهذه إشكالية فعلاً تقع عند كثيرٍ ممن يقع في المعاصي أنّه يُراعي النَّاس في توبته فرُّبما يُقبِل على التَّوبة أو يمتنع من الرُّجوع إلى الحقّ وإلى التَّوبة من أجل النَّاس، فالله سبحانه وتعالى يريد أن ينزَعه من هذا المجتمع الذي يُفكِّر فيه ويصعد به إليه مباشرة فيقول (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ) الذي يتوب عليك هو الله.

د. الخضيري: عندي ملاحظة وعندي سؤال؟ أمّا الملاحظة فهي في قوله (اللّهُ) الحقيقة أنّنا نُلاحظ أنّها تردّدت مع الأحكام الشَّرعية كثيرأً، والظَّاهر أنَّ هذا أدعى لاستجابة العِباد له، فإنَّ الله معناه الإله العظيم الذِّي يَشرع لكم هذه الأحكام فخُذوها بقوّة وهابُوا ربَّكم أن تتخلّفوا عنها أو تتعدَّوا على حُدودِه، ولذلك يقول (إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)، (وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً)، (أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) إلى آخره. السؤال في قوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) سألني قبل يومين أحد الشّباب قابلته، قال (كَانَ) هذه أليست للماضي طيِّب ماذا نفعل في الحاضر والمستقبل، فما هو جوابك يا أبا عبدالملك؟

د. الطيَّار: والله هذا جواب حبر الأمة كما في صحيح البُّخاري، سُئل عن نفس السُّؤال هذا فقال: كان ولم يَزَل.

د. الخضيري: معناه كان قد سُلبت الزَّمانية.

د. الطيَّار: نعم، وهذه خاصيَّة في (كَانَ) فيما يبدو والدَّليل فيها السِّياق كونها في أسماءِ الله سبحانه وتعالى أو صِفاته فإنَّها دالَّة على الدَّيمومة والاستمرار، يعني كانَ في الماضي ولم يَزَل في المستقبل.

د. الخضيري: وكأنَّها والله أعلم عُبِّر عنها بالماضي، للدَّلالة على تمكُّن نفسها.

د. الطيَّار: وهذا قاله إن لم أكن واهماً الطّاهر ابن عاشور أشار إليه، أنَّ كان تأتي للدَّلالة على تمكُّن اسمها من خبرها. وهذا جيِّد.

د. الخضيري: الحقيقة كثرة أسماء الله في سُورة النِّساء، وظُهور ارتباط الاسمين بالآية، لا أكاد أجِده في سُورةٍ أظهر منه إلاَّ في سورة النِّساء - ولو ظهر في سُوَر القرآن - لكن في سورة النِّساء بشكل واضح يعني (إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) مع قوله (فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا) وهنا (وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) وقبلها أيضا (وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً).

د. الشِّهري: طيِّب هو في الآية الأولى التي نتحدّث عنها الآن، يُشير إلى الذِّي يتوب من قريب، فيه إشارة كما تفضَّل الشيخ محمد إلى قضِّية الحثّ على المبادرة بالتَّوبة فَورَ وقوع الذَّنب وأنَّ هذا أكمل في حال المسلم لأنَّه يدل على يقظته الدائمة كما قالَ الله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) الأعراف)، يعني تذّكروا فتابوا، وهذا دليلٌ على أنّهم أهل بصيرة، تعال إلى الآية التي بعدها في قوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) الله سبحانه وتعالى يقول التَّوبة لا تكون من الله للذِّين يُصِّرون على السَّيئات ويعملونها وتُلاحظ حتى في الفعل المضارع عندما قال (للذِّين يعملون السيئات) إشارة إلى أنهم يجَّددون مثل هذا العمل السَّيء مرَّةً بعد مرّة قال (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) هذا يُذّكرِّنا بفرعون (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير