قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس).
د. الخضيري: يقول العُلماء أنَّه آمن ثلاث مرات، يعني كلَّ واحدة كانت كافية في قبول إيمانه، ومع ذلك جاءت في غير وقتها فلم يُقبل واحدٌ منه (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ .. ) ومع ذلك انتهى الوقت.
د. الشِّهري: سبحان الله العظيم! (قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) وهذا الصِّنف الأوَّل وهو الذي يترك التّوبة ويؤَّجلُها حتى ينتهي وقتها وهو بعد الغرغرة، ثم قال (وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) لا يتوب الله عليهم.
د. الطيّار: طبعاً الأوَّل في العُصاة.
د. الشِّهري: في العاصي، لكنَّ العاصي الذي يترك التَّوبة حتى ينتهي وقتها فأمره إلى الله، والثَّانية واضحة في الذّي يموت وهو كُافر فهؤلاء لا يتوب الله عليهم، كما قال الله (ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ (34) محمد).
د. الخضيري: (قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) هذا (الآنَ) ذكرٌ للزَّمان المتصِّل بكل شخص على حِدة منذ أن خلق الله آدم إلى أن يَرِث الله الأرضَ ومن عليها، هناك زمان مختص بأهل آخر الزَّمان لا تصح التوبة بعده وسيأتينا في سورة الأنعام بإذن الله عزَّ وجل (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا (158) الأنعام) فالعُلماء يا إخواني ذكروا أنَّ من شروط صِحةِ التَّوبة وقوعها في الزَّمان الشَّرعي وهو قبل الغَرغرة بالنِّسبة للشَّخص، وقبل طلوع الشَّمس من مغربها بالنِّسبة للَّجميع، ومع ذلك لا أحد يدري متى تطلع الشَّمس من مغربها، لا هذه ولا هذه فعلى الإنسان أن يستعد.
د. الشِّهري: يعني علامات التَّوبة فعلاً التي تنتهي عندها التَّوبة كلَّها غيب، فمعناها بَادِر، أنت الآن لا تعرف متى يأتيَ أجَلُك، ولا تَعرف مَتى تطلع الشّمس من مغربها، ولا تَعرف متى يخرج المسيح الدَّجال، فكُل هذه العَلامات التي ربط الله بها نهاية التَّوبة في علم الغيب، فمعناها أنّك لابد أن تُبادر إلى التَّوبة، ولاحظوا أيضاً عندما قال (أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ً) للذِّين يموتون وهُم مُصِّرين على الذُّنوب وعلى المعاصي وعلى الكُفر، فقال سبحانه وتعالى (أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ً) في التَّعبيرب (أَعْتَدْنَا ً) فيه نوع من السُّخرية والاستهزاء بهؤلاء الذّين أصَّروا على الكفر وعلى الذّنوب وعلى المعاصي حتى ماتوا، فالله سبحانه وتعالى يقول (أَعْتَدْنَا لَهُمْ) والإعداد في العَادّة يكون للإكرام، فَهي مثل قوله تعالى (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) التوبة) والبِّشارة لاتكون إلاَّ بالأخبار السَّارة، لكنّه من السُّخرية بهم قال (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وأيضاً هنّا قال (أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
د. الخضيري: وهنّا نكّر العذاب لتعظيمه وتفظيعه فوصفه بالأليم (عَذَابًا أَلِيمًا)، قال ابن عبّاس: كلُّ أليمٍ في القرآن فهو مُوجع.
د. الطيّار: هنا أيضاً قال (أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ومُقتضى نَظم الكلام، أعتدنا عذاباً أليماً لهم، لأنَّ الجَارَ والمجرور يُؤَّخرَ، هذه يقف عندها الطَّاهر ابن عاشور كثيراً ويُنّبه على أمرين: الأمر الأوّل رعاية الفَاصلة في (عَذَابًا أَلِيمًا)
(عَلِيماً حَكِيماً) (خَيْرًا كَثِيرًا) إلى آخره، والأمر الآخر: أنّه قال أعتدنا لهم لأنّهم هم الذِّين سِيق الكلام من أجلهم فقدَّمهم.
د. الخضيري: يعني تأكيداً لوقوع هذا في حقِّهم.
د. الطيَّار: نعم، فقوله (أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) إذا كانوا من باب التأكيد لمّا قدَّمهم وأنَّهم ممن سيق الكلام من أجلهم، رأيت البعض ممن يتكلّم في قضية الفَاصلة يتحرَّج من مثل هذا الأمر أن تقول لِرعاية الفاصلة.
د. الشِّهري: رعاية الفاصلة يا دكتور مساعد المقصود بها رعاية آخر الآية.
¥