تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) بيّنا فيما سبق أن معنى الآية: لا يحل لكم أن تفعلوا ما يفعله أهل الجاهلية من كونهم إذا مات الميت جاء ورثته فورثوا امرأته، يعني ورثوا التصرف فيها، وليس المقصود استرقّوها ولكنه شيء أصبح مثل الميراث، ورثوا التصرف فيها وتحكموا بها فلا يحق لها أن تتصرف في نفسها بعد أن يملكوا هم أمرها كما يملكون سائر متاعه وميراثه، فالله عز وجل نهى عن ذلك وبيّن أن المرأة هي أملك بنفسها وأنه لا يمكن لأحد أن ينال منها شيئًا إلا برضاها. ثم إنتقلنا وتوقفنا عند قول الله عز وجل (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) وحصل بيننا شيء من تداول الرأي حول معنى الآية هل هي مرتبطة بالمعنى الأول أم هو معنى جديد يتصل بالأزواج مع زوجاتهم؟ ولكن زيد بن أسلم كما قرأنا في تفسير ابن كثير بيّن بيّن أنها تصلح لهذا ولهذا، بمعنى أنه لا يحل لكم أيها الناس أن تمنعوا هؤلاء النساء اللواتي مات أزواجهن من أن يتزوجن لرغبتكم في أن ترثوهن، فينتظر بها حتى تموت ثم يرثها، فهذا منعٌ لها من حقها في الزواج. والثاني هو في معنى جديد يتصل بالمرء مع زوجته وهو أن يمنعها حقها الشرعي حتى يضارّها لتفتدي منه (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) وأحد الشيخين أشار إلى أن هذا مناسب لما يلي من الآيات لقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) مع العلم أن الذي يتأمل بشكل دقيق يعلم أن الآية يمكن أن تحتمل هذا المعنى وتحتمل هذا المعنى ولا تضاد ولا تعارض بينهما.

د. الشهري: هناك معنى أريد أن أنبه إليه في هذه الآية العظيمة وهو بِدء هذه الآية بالنداء بوصف الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) وفي سورة النساء بدأ النداء بصفة الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وكنا ذكرنا أن العلماء يذكرون أنه من ضوابط المكي والمدني أن تكون السورة مما ورد فيها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ولم يرد فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فإنها تكون مكية، هذه السورة مدنية ورد في أولها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وهذا ضابط من ضوابط المكي، لكن ورد فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فخرجت من كونها مكية وتأكد أنها من السور المدنية، هذه مسألة.

د. الخضيري: معذرة أبا عبد الله قد يُعترض على هذا بسورة الحج فإنه وقع فيها خلاف مع أنه جاء في مقدمتها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وجاء فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (77) الحج).

د. الشهري: فيها سجدة، وهذه نادرة، سورة الحج هي التي خرجت عن هذا الضابط.

نأتي إلى مسألة أخرى، لماذا يا ترى جاء النداء هنا بوصف الإيمان في حين أنه في الآيات التي تقدمت جاء البدء بالوصية (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)؟ ثم جاء هنا فنادى بوصف الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)؟

د. الخضيري: في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) هل هذا الوصف كاشف أي بمعنى أنه لبيان الواقع؟

د. الشهري: ليس شرطاً لأن مفهوم المخالفة غير مقصود.

د. الخضيري: و لذلك هذه الآية تدخل في مثل قول الله عز وجل (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا (33) النور) فلا يعني ذلك أنهن إن لم يردن التحصن فأكرهوهن، إذ خرج ذلك لبيان الواقع.

د. الطيار: قيد لبيان الواقع.

د. الشهري: معنى الآية هنا أنه أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء، لا يجوز للرجل أن يجعل زوجة أبيه كسائر المتاع يرثها، وجاءت (كَرْهًا) للإشارة إلى أنه لا يحدث هذا إلا على وجه الكراهية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير