وإن كان القول الثاني ورد عن ابن عباس وابن زيد فقط، والقول الأول هو قول الجمهور. في الوجه الأول من حملها على العلم بأن معناه الذين يبخلون ويأمرون قومهم فقط بالبخل لأنه خاصة باليهود.
د. عبد الرحمن: فتكون كلمة الناس هنا من العام المُراد به الخصوص
د. مساعد: المراد به الخصوص. والثانية سبب النزول يشير إلى أن اليهود يبخلون بأموالهم ويأمرون الأنصار بأن يبخلوا بأموالهم ويخوفونهم من الفقر لا تدري ماذا يصير لك غدًا! لا تنفق مالك لأنك لا تدري ماذا سيكون عليك غدًا!
د. عبد الرحمن: ألا يمكن أن تكون هذه الآية في قوله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) امتدادًا للصفة التي قبلها في قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)؟ ألا يمكن أن تُحمل هذه الاية وإن كانت نزلت أو كان المقصود بها أصالة هم اليهود ألا يمكن أن يستشهد بها على من يتصف بهذه الصفة من المسلمين؟!
د. محمد: بلى، بل كان ديدن السلف رحمهم الله أن يتخوفوا وأن يذكروا الآيات التي وردت في حق الكفار الخُلّص في مقام التهديد والوعيد وفي مقام تحذير المؤمنين من الإتصاف بهذه الخصلة. صحيح أن الإنسان يعاقَب العقوبة الكاملة على الاتّصاف بالخصلة إذا اكتملت شروطها وانتفت موانعها لكن لا يمنع ذلك من أن يكون قد اتصف بشيء منها أن يكون له جزء من عقوبتها. ولذلك كان الصحابة يستدلون بالآيات التي نزلت في حق الكفار على أحوالٍ يطبقونها على أنفسهم ليس من جهة أنهم سينالون نفس العقوبة التي ستكون لأولئك ولكن لأن الله تعالى يكره هذه الخصلة ويذمّ ذلك الفعل إذن فكل من أشبه هؤلاء بشيء من أفعالهم فربما يُعطَى شيئًا من جزائه.
د. عبد الرحمن: وختم الآية بقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)؟
د. مساعد: أفادنا هنا الآن أن هذا الوصف الذي هو في اليهود أيضًا يكون في الكفار. كأنه من أوصاف الكفار وسيأتينا فيما بعد أوصاف أخرى لكنه واضح جدًا أنه في مقام الظاهر مقام المضمر، لكن واضح عندنا أنه في اليهود وكذلك في الكفار. وعندي ملحظ آخر في قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) أعني الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، طبعًا هذا أحد وجوه الإعراب فيها ولو تأملنا هذا الوجه الإعرابي سيكون من باب تفسير القرآن بالقرآن. لكن السؤال الذي يرد لو ورد عندنا وصف المختال الفخور في غير هذه الآية فهل يصلح حمل ذاك على هذا؟
د. محمد: لا يظهر
د. مساعد: عندنا مثلًا في سورة لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)) والمختال الفخور في قصة لقمان -في نظري- لا يصلح أن تحمل على هذا المعنى فهناك هي أعمّ ومع ذلك نقول هذا من باب تفسير القرآن بالقرآن لكنه تفسير سياقي بمعنى أن المختال الفخور هذا مثّل لهم بمثال وهم اليهود. وإلا لو تأملنا الآية التي قبلها كما قلنا آية الحقوق.
د. عبد الرحمن: فيها فائدة أو ملحظ أحب أن أنبّه إليه الإخوة المشاهدين، في القرآن الكريم غالبًأ يعلِّل يذكر لك علة العقوبة أو على الجزاء. في قوله سبحانه وتعالى هنا (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) لماذا أعتدنا لهم عذابًا مهينًأ؟ لكفرهم، فقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) إشارة إلى أن هذا الكفر هو سبب العذاب فبقدر اتصاف الإنسان بهذه الصفة وهي الكفر بقدر ما يُشدد عليه العقوبة التي ذكرها الله كما في قوله (إن الأبرار لفي نعيم) لبرّهم وقال (وإن الفجار لفي جحيم) لفجورهم
د. محمد: ولذلك يقولون إن ذكر الظاهر في محل المُضمر يفيد فوائد: الأولى تعليم الحُكم لو قال "وأعتدنا لهم" أي لهم خاصة لكن لما قال الكافرين هذه شملت كل من اتصف بهذه الصفة.
د. مساعد: سواء لهذا السبب أو لغيره
د. محمد: ثانيًا الحكم على هؤلاء بما يقتضيه الوصف لأن هؤلاء الذين فعلوا هذه الأشياء ما حكمهم؟ لما قال (للكافرين) عرفنا حكمهم. الثالث لأسباب إفادة العليّة وهي التي ذكرها أبو عبد الله قبل قليل بمعنى أن يربط الحكم بها، لماذا أعتدنا لهم عذابًا أليمًا؟ لكفرهم، لماذا الأبرار في نعيم؟ لبرّهم، لماذا الفجار في جحيم؟ لفجورهم.
¥