د. الشِّهري: الآيات التي نتحَدَّث عنها يا إخواني الآن آيات الحقيقة عظيمة، والنّبي صلى الله عليه وسلّم قد طلب من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه سورة النِّساء، فكان رضوان الله عليه يقرأ هذه الآيات حتى وصل إلى الآيات التّي نتحَدّث عنها الآن. الآيات التي بعدها (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ) أيّ يا محمّد عليه الصّلاة والسلام (عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)) عبد الله بن مسعود يقول فقال النبي صلى الله عليه وسلم حسبُك، فقال عبد الله بن مسعود فَنَظرتُ إليه فإذا هُو عيناه تَذرِفان عليه الصّلاة والسَّلام، والعُلماء يتحَدَّثون عن بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم عند هذه الآيات، وسبب بكائه النّبي صلى الله عليه وسلّم هل هُوَ من هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شهيداً) أو أنّه عمّا تقدَّم حتى الذِّي نتحدَّث عنه الآن من الآيات؟ والنَّبي صلّى الله عليه وسلَّم يَستحضِر وهُو يَسمع هَذه الآيات ما لَقِيَه النَّبي صلى الله عليه وسلم من المشركين من العَنَت ومن العَدَاء، ثمّ ما لَقِيَهُ من اليهود في المدينة ومن المنافقين، وكيف كان النّبي صلى الله عليه وسلّم يفهم القرآن الكريم، يعني نتخيَّل الآن نقول عبدالله بن مسعود ترجمان القرآن وأنه كان رضوان الله عليه من أعلم النّاس بالتفسير، يا أخي تخَيّل النّبي صلى الله عليه وسلّم وهُو أعلم النّاس بمعاني القرآن الكريم الذِّي أُنزِل عليه، كيف كان عليه الصّلاة والسّلام يتأَثَّر، ويتصَرّف مع هذا القرآن الكريم، كيف كان يفهم، كيف كان يتفاعل معها، كيف كان يقوم بها اللّيل، كيف كان يبكي من بعضها عليه الصَّلاة والسَّلام مِثل هذه الآية؟ ولا أدري هل هُناك آيات أخرى لها نظير في القرآن الكريم ثَبَت أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم بَكَى عندها؟
د. الطيّار: لا، إذا كان توَقّف عندها فَنَعم.
د. الشِّهري: مثل ماذا؟
د. الطيّار: مثل في قصة عيسى عليه السلام في آخر سورة المائدة (إن تُعَذِّبهُم فإنّهم عبادُك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم) كرَرّها في وِتره عليه الصّلاة والسّلام.
د. الشّهري: في قوله (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) والحديث هنا عن الإنفاق يا شيخ محمد، ما علاقة هذه الآية بما قبلها من الآيات؟
د. الخضيري: أنا أقول هذه ممّا يُؤَكِّد ما ذكَرتَهُ قبل قليل يا دكتور مساعد (وكان الله بهم عليماً) أنَّه يُراد بها التّرَهيب لأولئك الذِّين أنفقوا رئاءً، أو بَخِلُوا، والتّرغيب في أنَّ ما أنفَقَهُ الإنسان فسيُخلِفُه الله عليه ولذلك قال (إنّ الله لا يظلمُ مثقال ذَرّة) يعني من علمه جلّ وعلا أنّ ما تُنفِقُه ولو كان مثقال ذَرّة وهذا غير حتّى مُتَصَّور لكن يُراد به في القلّة (لا يَظلِمُ مثقال ذَرّة) وإن كان شيئاً قليلاً لا يكاد يُرى بالعين المُجَرَّدة فالله عزّ وجل يُحصيه لك، ويُجازيكَ به، ويُعطيك أجره.
د. الشِّهري: (فمن يعمل مثقال ذَرّةٍ خيراً يَرَه. ومن يعمل مثقال ذَرّة شرّاً يره)
د. الخضيري: وبالمناسبة ما يأتي في مثل هذه الأساليب في ذِكر أقلّ القليل أوّ الكثير لا مفهوم له، لا يعني إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة، أنَّ ما دون مثقال الذّرة يظلمه! لا، أستغفر الله، إنّما المراد المبالغة.
د. الشهري: ولذلك قال في آية أخرى (إنَّ الله لا يظلم النّاس شيئاً)
د. الخضيري: وفي الكَثرة قال (إن تستغفر سبعين مرّة) فلا يعني هذا انّه لو استغفر لهم واحداً وسبعين أو سبعمائة لَغَفَرَ الله لهم
د. الطيَّار: طبعاً الذَّرة هنا، بعض السَّلف مثل ابن عباس قال: رأس النَّملة أو عين النّملة الحمراء، وبعضهُم قال: النَّملة، وبعضهم قال الهَباءة، وبعضُهُم قال الخَردلة التِّي تكون مُتناهية في الصَّغر. في قراءة لابن مسعود (إنّ الله لا يظلم مثقال نملة).
د. الشِّهري: عجيب!.
د. الخضيري: إذا فتُفَسَّر الذَرّة على أنَّها النَّملة بهذه القراءة.
د. الطيّار: نعم، كُلّ هذه التَّعبيِرات التِّي وردتها عن السَّلف، فيها إشارة إلى القلّة شيء قليل جِدّاً لا يكاد يُوزن.
¥