د. الخضيري: وإن كُلّ ما يعمله الإنسان يُمكن أن يكون فوقه، وهذا ملحظ مهم جِدّاً
د. الطيّار: نعم، ولهذا لما قال لقمان (يا بُنيَّ إنّها إن تَكُ مثقالَ حبَّةٍ من خردلٍ فَتَكُن في صخرةٍ أو في السَّموات أو في الأرض يأتِ بها الله) بِمَعنى أنَّ عِلمَ الله سبحانه وتعالى يَتَنَاهي إلى هَذا الشَّيء الحَقير الذِّي لا يَكاد يُرى ويأتِي به سبحانه وتعالى في أيّ مكان كان.
د. الشِّهري: هل يَصِّح يا شيخ أننّا نُفَسِّر الآية هنا الذّرة بأنَّها أصغر جزء من المادة التّي تتكّون من البُروتونات والنيّترونات ...
د. الخضيري: ما هُنَاك شيء يمنع من ذلك، لأنَّ هذا الأُسلُوب عند العرب، هو أصلاً لو عبَّر الله سبحانه وتعالى بغير هذا ممّا اكتشفه النّاس الآن ما فَهمِه العرب، فالله عبَّر بما يُعَبِّر به العرب من الدّلالة على الصِّغَر، فالمقصود ذكر اللّفظة التي تدُلّ على هذا المعنى. قوله تعالى (إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) طبعاً لا يُراد بها نفي الظُّلم عن الله مُجردَّاً دون إثبات ضِدَّه وهو كَمَال العَدل، لأنّ النّفي المُجَرَّد ليس كَمَالاً ولا مدحاً.
د. الشّهري: مثل ما أقول والله أنت لستَ بخيلاً، وَلَستَ أحمقاً، وَلَستَ مُغفّلاً، وَلَست جاهلاً، وَلَست ....
د. الخضيري: لا، هذا بالمناسبة يكُون مَدحاً
د. الشهري: لا، بالعكس.
د. الخضيري: لأنَّ المُراد منه إثبات – إن شاء الله – الكمال، لكِن قُل هذا التُّراب وهذا الجِدار ليس بخيلاً، ولا جَواداً ولا شُجاعاً، ليس مدحاً له، لأنَّه لا يتضَّمن كَمَال ضِدِّهِ.
د. الشِّهري: ولكن أحيانًا عندما آتي وأقول يا شيخ محمد الرَّجل ليس أحمقاً وليس مغَفّلاً هذا الحقيقة أشبه ما يكون بالتَّطويل
د. الطيّار: تطويل في غير مَحِلّه.
د. الخضيري: قُبيِّلة لا يَغدرُون بِذِّمَةٍ ولا يَظلِمون النَّاسَ حبة خردل
د. الشهري: المدح بنفي النّقص ليس في الحقيقة أسلوب مقبول يدلّ على المدح.
د. الخضيري: ولذلك نحن نقول لا يظلم لِكَمَال عَدلِه، لَيس لِعَجزه ولا لعدم قدرته
د. الطيّار: أحسنت، (وإن تَكُ حسنةً) بالفتح، وفي قراءة (وإن تَكُ حسنةٌ) بالضَّم فتكون كانَ تامّة، هذه من أمثلة (كان) التامة وقلنا أن كانَ التّامة قليلة.
د. الخضيري: يعني وإن تُوجد حسنةً أو تحدُث حسنةٌ يُضاعفها ويُؤتِ مِن لدُنهُ أجراً عظيماً.
د. الطيّار: وعلى القراءة الثَّانية (وإن تَكُ مِثقَال الذَرّة حسنةً (وأنَّثَها)
د. الخضيري: أو يُقال وإِن تَكُنُ الفَعلَةُ حسنةً يُضاعفها
د. الطيّار: لكنّه قال (وإن تكُ) يُرَدّها إلى مثقال الذّرة.
د. الشّهري: جميل، الفكرة التّي أردت أن أقولها إلى فضل الله سبحانه وتعالى في تعامله مع النّاس، وكيف أنّ الله سبحانه وتعالى يُضَاعِف الحسنة، ويَتَفَضَّل على الإنسان بمُضاعفتها، في حين أنَّ السَّيئة تبقى كما هي.
د. الخضيري: هذا من كَرَمِ الله.
د. الشِّهري: نعم، لاحظ أنّه قال في الآية التّي قبلها قال (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله) هُنا يشير إلى هذا الفضل فيقول (وإن تَكُ حسنةً يُضاعفها ويُؤتِ من لدُنُه أجراً عظيماً)
د. الطيّار: ولم يُقِّيد التَّضعِيف بِشَيء فدلّ على
د. الخضيري: نعم، فَدَلَّ على أنَّ المُضاعفة في كُلِّ ما يَكُون في جانب الحسنات، لكن مضاعفة الله عَزَّ وَجل مَحضُ فضلٍ من الله، لذلك يُضَاعِف لهذا بعشر حسنات، وذاك بسبعين، وذاك بسبعمائة، وذلك على حسب ما يَحتَفّ بالعمل من الأحوال، رجُل يُنفِق من قِلَّة ريالاً، ورَجُلٌ يُنفِق مِن سَعَة ريالاً، ليسُوا سواءً!. قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: سَبَقَ درهمٌ مائة ألف درهم، قالوا:وكيف يَسبِق يا رسول الله درهَمٌ، مائة ألف درهم؟ قال: أنفق رجُلٌ من عُرضِ ماله مائة ألف (طَرف ماله) ورجُلٌ له درهمان أنفق أحدهُما وأبقى الآخر، اُنظُر كأنّه أنفق نصفَ ماله!
د. الشِّهري: حدِّثنا يا شيخ محمّد عن هذه الآية التي بكى عندها النّبي صلى الله عليه وسلّم (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41))
د. الطَيَّار: هناك آية شبيهة لها في سورة النّحل (ويوم نبعثُ في كُلّ أمَّة شهيداً عليهم من أنفسهم وجِئنا بكَ شهيداً على هؤلاء)
¥