د. الخضيري: طبعاً هذا تذكير بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذَلِك الموطِنّ الذِّي يَظهر فيه شرَفُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على كُلِّ وَلَدِ آدم، يبقى الخَليقة كُلُّهُم ينظرون إليه لأنّهَم في ذلك اليوم عندما يطُول بهم الموقف ويشتدّ عليهم الأمر، يُطالبون بفصل القضاء من طول اليوم ومن شِدَّة الهَول، فيذهَبُون إلى الأَنبياء وَيبدَأُون بآدم عليه السَّلام، ثمّ يَمُرُّون على نوح، ثمّ إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى وكلهم يعتذر إلى أن يقال لهم: اذهبوا إلى محمّد، اذهبوا إلى محمّد ولم يذكُر ذنباً، ثمّ يذهب فيسجُد تحت قائمة العَرش، ويسجد فيفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحُه عليه من قبل، ثمّ يُقال: إرفع رأسك، وسَلْ تُعطه، واشفّع تُشَّفَع. هذا الموقف الذّي يحدُث للنّبي صلى الله عليه وسلّم موقف مهيب وهو المقام المحمود الذّي ذَكَرَه الله عز وجل له. فيقول الله عز وجل: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ (يا محمد) عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يعني تشهد عليهم.
د. الشّهري: يعني كأنّ المقصود بالشّهيد هنا النّبي.
د. الخضيري: نعم.
د. الطيّار: ولكنّه بمعنى الشّهادة وليست الحضور، وإنّما الشهادة عليهم، الحُكم عليهم بما عملوه
د. الخضيري: أو بالشّهادة أنّه بلّغهم، لذلك النبي صلى الله عليه وسلّم كان يحرص في مواطن التبليغ أن يقول: ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ألاّ هل بلّغت. اللهمّ فاشهد. وينكُت بإصبعه الشريفة عليه الصّلاة والسّلام إلى النّاس.
د. الطيّار: طبعاً الشِّيخ عبد الرّحمن يقصد أنّ الشِّهيد هنا هو النّبي (من كُلِّ أُمّةٍ بشهيد) أيّ بِنبيّ يشهد على قومه أنّه قد بلّغهُم رسالة الله إليهم، وبلَّغّهُم نُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلّم، (وجِئنا بكَ على هؤلاء شهيداً) فَعَمَمّ يحتمل (هؤلاء) على أُمَّتِك، أو على أنبياء الأمم، وهذا لا شكَّ أنّه من شَرَفه عليه الصّلاة والسّلام.
د. الشهري: التَّنوين هنا في قوله (يومئذٍ) ماذا يُسمّى شيخ محمّد؟
د. الخضيري: تنوين عِوض يكون عن حرف، يكون عن كلمة، ويكون عن جُملة.
د. الشِّهري: هُنا التَّنوين عِوَض عن جملة.
د. الخضيري: (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّينَ كَفَروا) وهُنُا عَطَف، وقال (وعَصَوُا الرَّسول) هو الذِّي يَعصِي الرَّسول قد كفر، لكن من باب التَّنصيص على أنّ مخالفة الرّسول مؤدِّية إلى الكُفُر.
د. الشّهري: وأيضاً مناسبة لقوله (وجِئنا بِكَ على هؤلاءِ شهيداً).
د. الطيّار: وفيه تكريم للرّسول صلى عليه وسلّم بذكر الرّسالة
د. الخضيري: وفيه دلالة – مثل ما ذكر دكتور عبدالرّحمن- على أنَّ المقصود بالشّهادة الشَّهادة على أنَّه بَلَّغ وأدَّى ما أُوحِي َإليه. إذاً أنتم عصيتم وهُو قد بلَّغكم، يعني بذَلَ كُلّ مَا في وِسعه من أجل ان يُوصِلَ رسالةَ ربّه إليكم، فليست خافية عليكم، ولا حُجّة لكم، وقد عصيتم!.
د. الشِّهري: الحقيقة أنا أوّل مرّة أتوَقّف مع أنّ هذه الآية قرأت حديث عبد الله بن مسعود قرأته كثيراً، ولكن لم أتوقف يوماً عند معرفة سبب بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم، يعني لماذا بكى عليه الصّلاة والسّلام عند هذه الآية بالضّبط؟ لكن الآن عندما تُدَّقِق فيها تظهر لك فعلاً، أوّلاً بُكاءه صلى الله عليه وسلّم شَفقَةً على أمته، لأنّه كان عليه الصّلاة والسّلام شديد الشَّفقة على الأمة، وقصّة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع النَّبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال له: اقرأ عليَّ القرآن، لم أتّوقف عند سبب بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم مثل هذه المرّة، يعني لماذا بكى النَّبي صلى الله عليه وسلّم؟ كان يتبادر إلى ذِهني، بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم شفَقَةً على أُمَّته، عندما يذكر الله سبحانه وتعالى أنّه سوف يأتي شهيداً يوم القيامة على هَذه الأُمّة، ويأتي شهيداً على الأمم، فكأَنّ النّبي صلى الله بكى على حال هؤلاء الذّين عَصَوه، شَفَقَةً بهم ورحمةً بهم، ولكن الآن تبيَّن لي - ما ذكرتموه يا شيخ محمّد- من قضيّة تذّكُرَه لمهابة ذلك اليوم وكونه يأتي عليه الصّلاة والسّلام يشهد على هؤلاء الأُمم جميعاً، ثمّ من هُم؟ فيهم آدم، فيهم إبراهيم، وفيهم نوح، وفيهم إدريس، وفيهم موسى، وفيهم عيسى. يعني موقف مهيب.
¥