د. الخضيري: وفيها شيءٍ آخر، في قوله في اليَّهُود (ويكتُمُونَ ما آتاهُم الله من فضله) هُنَا يُظهر الله عزّ وجل فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر هذا الفَضل في كتاب الله، ويَعترف به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويُشيعه بين النّاس، ويتحَدّث بنعمة الله، ويقول (أنا سيّد وَلَدِ آدم ولا فَخَر) وأنا الشَّافع والمُشَّفع والحاشِر والمُقَفَّى إلى آخر ما ذكر من أوصافه لِيَتَحدَّث عن نعمة الله.
د. الشّهري: ما أجمل هذا! وما أجمل ما سيأتي أيضاً في قوله تعالى (أم يحسُدون النّاس على ما آتاهُم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم (والنّبي صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم) الكتابَ والحُكم والنبّوة وآتيناهم مُلكاً عظيماً) باللّه يا إخواني من الذّي أُوتِيَ مثل ما أُوتِيَ آل إبراهيم؟! يعني امتنان من الله سبحانه وتعالى.
د. الطيَّار: في بعض الطُّرُق في رواية ابن مسعود ورد أنّه لما قال (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)) قال أقول كما قال العبد الصّالح (وكنُت عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم فلمّا توَّفيتني كنت أنت الرَّقيب عليهم)
د. الخضيري: لعلّ هذا يُشعِر بأنّ هذا المقام مقام خوف صلى الله عليه وسلّم أنّه إذا شَهِد على أمّته بالبلاغ أنّه سيُفرز الذّين عَصَوا وكَذَّبُوا فيُعَذَّبُوا وأنّه يَخاف على أمّته وهذا من كمال شفقته كما أسلفتم.
د. الطيّار: في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض)
د. الخضيري: هذا الآن جواب (يَوَدُّ الذّين كفروا وعَصَوا الرَّسول لو تُسوّى بهم الأرض)
د. الطيّار: نعم، (تُسَوَّى) قُرِئت هكذا، وقراءة أخرى (تسَّوى) أيّ تتسوى بهم الأرض
د. الشِّهري: وفي كلام النّاس قولهم: سأُدّمّر هذه القرية وأُسوِّيها بالأرض يعني ألغيها
د. الطيّار: نعم، قاعاً صفصفًا، ففيها هذا الاحتمال وهذا الاحتمال. وأنت لو تأمّلت الملمح الدّقيق في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) أيّ يُجعلون هم والأرض سواء فيكونون ترابًا كما قال الله سبحانه وتعالى في آخر سورة النّبأ، أو تسوى بهم الأرض يعني يكونون تحت الأرض بمعنى أنّهم يموتون ولهذا هُم يتمنُّون الموت.
د. الشّهري: طيِّب لماذا يتمنَّون هذا؟ ما معنى قوله: (ولا يكتُمونَ الله حديثاً)
د. الطيّار: لأنّه ظهر لهم مَا كان خافياً.
د. الشِّهري: يعني هُم يتمنُّون أنّها تُسَّوَى بهم الأرض وكأنّهَم لم يكونوا، حتى لا يَقِفُوا في هذا الموقف الذِّي لا يستطيعون فيه أن يكتُموا الله حديثاً، انفضَحُوا كما قال الله (وَوُضِعَ الكتاب وترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالِ هذا الكتابِ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ووجَدوا ما عَمِلُوا حاضراً ولا يظلمُ ربُّكَ أحداً). وهذه من مهارات ودقائق تفسير القرآن بالقرآن تحتاج الحقيقة إلى بحث دقيق. يعني الآن عندما يحمل بعض السَّلَف معنى آية على معنى آية أخرى يأتي بعض الباحثين أحياناً فلا يفهم وجه الرَّبط يظُنّ أنّ الصّحابي يحملها عليها بكُلّ المعاني وإنّما هو يلمح إلى المعنى اللُّغَويّ. يعني مثلاً في قوله: (ويلٌ للمُطَفِّفين. الذّين إذا اكتالوا على النَّاس يستَوفُون) فيأتي سلمان الفارسي ويرى رجُلاً ينقر صلاته فيقول (ويلٌ للمُطَفِّفين) وسّع المعنى واعتبر الذّي يُصلّي وينقُر صلاته مُطَفّف مع أنّ الآية وردت في الذّين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون.
د. الخضيري: في قوله (ولا يكتمُونَ الله حديثاً) طبعاً هذه ليست معطوفة على قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) بل هي معطوفة على قوله (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) الواو عاطفة على أول جملة وليس على (تسوى) أحياناً القارئ قد تُشكل عليه الآية لو عَطَف على القريب (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)
د. الشّهري: ولا شكّ أنّه استدلال ممتاز جِدّاً الحقيقة قلّ من يتَنَبَه إليه في هذا الحديث يربطَهُ بعلم الوقف والابتداء.
د. الطيّار: هل في قوله (ولا يكتُمُونَ الله حديثاً) هل له ارتباط بقوله (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله)؟
د. الشّهري: هي تشترك في الكتمان.
د. الخضيري: وأيضاً إن كتمت فإنه سيأتي يوم لن تستطيع أن تكتُمه
¥