مطموسة ما يظهر لها معالم، وهذا يُذَكِّرنا بما صنَعَهُ الله سبحانه وتعالى وعَاقَب به فئةً من اليَّهُود عندما مَسَخَهُم قِرَدةً وخنازير. وَطَمْس الوُجوه هنا هو نوع من العقوبة البدنية لليهود المُكَذِّبين كما هو في مسخهم قردةً وخنازير، مسخ وجوههم بحيث أنّها تُصبِح قطعة واحدة لا يظهر فيها أثر الخِلقة كما قال الله سبحانه وتعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) هنا يُهدِّد الله سبحانه وتعالى بأنّه سوف يمسخ وجُوههم ويطمسها حتى لا يظهر فيها أي أثر من آثار الخِلقة.
د. الخضيري: جزاءً لهم على طَمسِ الحقائق، وعدم انتفاعهم بهذه الأشياء، الوسائل التي وضَعَها الله في الإنسان لاكتشاف الحقيقة: السَّمع، البَصر، اللّسان، الشَّهادة بالحقّ ما دام ما قامت بواجبها، ولا أدَّت الدَّور المنوط بها يطمسها الله فيجعلها كأنّها لم تكن.
د. الطيّار: قال الله (فنَرُدَّها على أدبارها) أيّ نقلِبها
د. الشِّهري: تشويه الصُّورة، يعني الله سبحانه وتعالى يُهدِّدَهُم بتشويه صُورَتِهم
د. الطيّار: لكن، هم لم ينتفعوا بما عندهم من العلم، فإذا قُلِب وإذا رُدَّ على أدباره لم ينتفع بهذه الخِلقة. إبن زيد عند هذه الآية قال (من قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) قال: نَرُّدَها على أدبارها إلى بيت المقدس يريد الإشارة إلى الحشر. وجعلها مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة الحشر (هو الذِّي أخرج الذِّين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأَوَّلِ الحشر) فجعل هذا المعنى بمثابة ذلك المعنى، لكن طبعاً هذا قول وإن كان فيه لطافة، لكنَّه ليس هو الصَّحيح.
د. الخضيري: قال الله – عزَّ وجل- (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) طبعاً الأوَّل: عُقوبة بدنية، والثّاني: أيضاً اللَّعنة التي تَصِل بهم إلى ما وصل إليه أصحاب السَّبت بأن يكونوا قِردةً وخنازير، لأنَّ أصحاب السَّبت حصل لهم ذلك، ما هي قِصَّة أصحاب السَّبت يا دكتور عبد الرَّحمن؟.
د. الشِّهري: هذه قرية من قُرى اليَّهُود التِّي كانت على الشَّاطئ - مدينة ساحلية يُقال أنّها أيلة أو أيلات- فنُهِيَ اليَّهود عن الصَّيد يوم السَّبت، وَقَد ابتلاهُم الله سبحانه وتعالى بأنَّ السَّمك يَظهَر ويَقترب مَنَ الشَّاطئ ومن ظَهر الماء يوم السَّبت، فهُم لمَّا رَأَوا الصَّيد يتوَفَّر بكميات تجارية يوم السَّبت، يوم الجمعة لا شيء، يوم الأحد لا شيء فاخترعُوا فكرة جَهَنَّمِيَّة - أرادوا بها أن يتحايَلُوا على الله سبحانه وتعالى- فقالوا نحن سَنَضع الشَّبكة يوم الجُمعة، يوم السَّبت يظهر الصِّيد ويَعلَق في هذه الشِّباك، يوم الأحد نأتي ونأخذ الصِّيد، ونحنُ لم نَصِد يوم السَّبت!
د. الخضيري: هذا التحايل على أوامر الله بأدنى الحِيَل
د. الشِّهري: قال (إذ تأتيهم حِيتانهم يوم سَبتِهُم شُرَّعاً) شُرَّعاً: أيّ ظاهرة على سطح الماء (ويومَ لا يسبتُونَ لا تأتيهم) ابتلاءً لهم، فلمّا فعلوا هذه الفِعلة القبيحة وخالفوا أمر الله سبحانه وتعالى عَاقَبَهُم الله سبحانه وتعالى على اتِّخاذهم ...
د. الخضيري: لكنَّهم قبل ذلك دكتور عبدالرّحمن انقسموا إلى ثلاث فِرَق، فرقة أنكرت (وإذ قالت أُمَّةٌ منهُم لِمَ تَعِظُون قوماً الله مُهلِكُهُم أوّ مُعَذِّبهم عذاباً شديداً قالوا معذّرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتَّقون (164) فلمّا نَسُوا ما ذُكِّروا به أنجينا الذِّين يَنهَونَ عن السُّوء وأخذنا الذِّين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانُوا يفسقون (165)). فَجَعَلَهُم ثلاث فِرَق، فِرقَة نهت عن السُّوء، وفِرقَة وَقَعَت في السُّوء، وفِرقة سَكَتت وهِيَ التِّي قالت (لِمَ تَعِظُون قوماً الله مُهلِكُهُم أوّ مُعَذِّبهم عذاباً شديداً) وبهذا نعلم أنَّ الواجب عَلى الإِنسان إذا رأى أمثال هؤلاء الذِّين يَتَحَايلون على شرائع الله عزّ وجل بأدني الحِيَل ويلعبون بالأحكام كأنّمَا يلعبون كما يلعب الصِّبيان بالكُرَة، فإنّه يجب الاحتساب عليهم وإِنكار ما هم فيه خَشيةَ أن يَعُمَّ العقاب السَّاكِت وَالفَاعِل، نسأل الله العافية والسَّلامة.
¥