د. الخضيري: نعم، الأمر الثالث (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) هذا إحسان وهو التسليم المطلق بكل ما يأتي عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم, ولذلك هي ثلاث مراتب تنتظم مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان ولكن هذه الآية أخطر آية على من يرضون بحكم شرع أو بحكم غير شرع الله عز وجل لأنها تنفي عنهم الإيمان وقد يكون نفي الإيمان فيها هنا يقتضي الكفر لمن فعل ذلك نسأل الله العافية والسلامة
د. الطيار: أبو عبد الله إذا قلنا أن السورة سورة الحقوق ففي بداية الكلام (يأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم في التحاكم إليهما لأنه لاحظ كل القضية لما بدأ (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) مرتبطة بقضية
د. الشهري: بحق الله وحق رسوله
د. الطيار: يعني التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: قبل ذلك يا دكتور عبد الرحمن قبلها قال (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ومن أعظم الأمانات التي تؤدى إلى أهلها أن لا يكون التحاكم إلا إلى الله ورسوله، هذا واحد. ثم قال (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) كيف يحكم الناس بالعدل؟! لا يمكن أن يصل الناس إلى العدل في قضاياهم حتى يتحاكموا إلى الله وإلى الرسول وإلا لا بد وأن يقعوا في الظلم لأن ما من شرع يشرّعه الناس إلا ويحابي فيه المشرعون أنفسهم وخاصتهم إن كانوا من الطبقات التي كما يقال البرجوازية فهي تراعي مصالحها وإن كان من المتنفذين راعوا مصالحهم وهكذا, أما حكم الله فإنه لا يراعي أحدًا على حساب أحد بل المراعى هو الحق
د. الطيار: هناك فائدة لغوية في قوله (فيما شجر بينهم)
د. الشهري: التعبير بـ (شجر)
د. الطيار: مشابهة بالشجرة قد تداخل بعضها ببعض لا تقدر تفككها
د. الشهري: وهذا فيد دلالة إلى أن المجتمع المسلم لا يستغني عن الاختلاط والتعامل مع بعضه البعض مهما حاولت أنك تبتعد عن المجتمع وتنفرد أنت بشؤونك ما تستطيع وإنما لا بد أن تختلط ويشجر بينك وبين غيرك نزاعات فلذلك قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
د. الخضيري: في قوله (فلا وربك) حقيقة فيها لفتة في أن حكم الله وحكم رسوله هو من كمال تربية الله عز وجل لنا ورحمته بنا لأننا لو ابتغينا أن نحلّ خصوماتنا وأن نقضي فيما بيننا بشيء غير حكم الله وحكم رسوله لوجدنا فيه الظلم ووجدنا فيه الجور ووجدنا فيه المشقة والعنت عليها ولا بد لا بد من ذلك , وتتبع لدساتير العالم وأنظمتها تجد أن هذا واقع تمامًا
د. الطيار: الذين يدّعون الرجوع إلى العقل وادّعاؤهم أن العقل في قاعدة أن اختلف العقل أو تعارض العقل والنقل أليس يدخل في معنى هذه الآية (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
د. الشهري: ما وجه دخوله؟!
د. الطيار: وجه دخوله أنه هو الآن حكّم العقل يعني من حكّم العقل على النص وجعل النص محكومًا عليه فإنه خالف معنى هذه الآية لأنه إحتكم إلى غير النص وهنا قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ). ولهذا نلاحظ مثلًا أن دعوى أن العقل هو الحاكم على النص لأنه لا يُفهم النص إلا بالعقل طبعًا هذه الدعوى جرّت ويلات خرجوا المعتزلة الذين اعترضوا على كثير من النصوص وهم يخالفون معنى هذه الآية
د. الشهري: تأتي الآن أنا أقترح في سورة النساء بحث موضوع الموعظة وأثرها في سورة النساء. مرّ معنا حقيقة موعظة الزوجة ومرّ معنا موعظة أداء الأمانات (إن الله نعمّا يعظكم به) وجاء وعظ للمنافقين ثم يأتي الآن الحديث عن فوائد الموعظة في قوله سبحانه وتعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)
د. الخضيري: هذه الآية طبعًا تابعة لما قبلها
¥