تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإطار كان منصباً على نقد التمركز بوصفه دلالة سلبية، ومدح المركز بوصفه العنصر المشع للدلالة، والنقطة التي ينبثق منها اختلاف المعنى.

3ـ نظرية اللعب: Theory of play. ويشير المعطى الثالث (نظرية اللعب) إلى تمجيد التفكيكية لصيغة (اللعّب الحرّ) اللامتناهي لكتابة ليست منقطعة تماماً عن الإكراهات المغيّبة للحقيقة، وتأكيد المعطى الثقافي للفكر والإدراك، وغياب المعرفة السطحية المباشرة، واستلهام أفق واسع من المرجعيات الفكرية المماثلة، والفلسفية المعقدة، والنظم المخبوءة، وطرائق التحليل الخاصة، وتتبنى التفكيكية في هذا السياق وبشكل واضح تطبيق استراتيجيات نصية وخطابية للقراءة تقلل من أهمية أيّة إحالة واثقة على منظومات (الابستيمولوجيا، والأخلاق، والحكم الجمالي) ليغدو التحليل التفكيكي ـ بعد ذلك ـ شعارات، وكلمات سرٍّ مفرغة ـ على حدّ تعبير نورس ـ من أي مضمون معرفي أو أخلاقي أو جمالي.

4ـ علم الكتابة: Grammatogy. أما المعطى الرابع (علم الكتابة) فيميل إلى منظومة دقيقة بنى عليها التفكيك أغلب مقولاته، ونقدَ من خلالها مسيرة العقلانية النسبية، وتشكل خطابها الفلسفي، واستحداث هذه المنظومة يعبر عن موقف التحليل التفكيكي من عصور اختزال الكتابة، وتهميش الدال، ونزعة التمركز حول العقل والصوت، ومجمل المعطى لعلم الكتابة ( Grammatology) يعدّ نقداً لثنائية سوسير (الدال والمدلول)، ورؤيته لدور العلامة وفاعليتها في بناء النص، فالدال عند سوسير هو تشكّل سمعي وبصري، وصورة لحمل الصوت، وقد عدّ دريدا ذلك تمركزاً حول الصوت، وصورة واهمة لحمل المعنى، وقد اقترح دريدا استبدال (العلامة) بمفهوم الأثر ( Trace) بوصفه الحامل لسمات الكتابة، ولنشاط الدال، وقد تحولت اللغة وفقاً لذلك من نظام للعلامات ـ كما هي عند سوسير ـ إلى نظام للآثار ـ كما هي عند دريدا ـ وتعين تلك الآثار على ترسيخ مفهوم الكتابة، وتوسيع اختلافات المعنى المُتحصل من نشاط دوالها، لذلك عدّ دريدا علم الكتابة "بأنّه علم للاختلافات".

5ـ الحضور والغياب: Presence and Absence أما المعطى الأخير (الحضور والغياب) فيشكل تتويجاً نقدياً للمعطيات السابقة، لأنّه يمثل الثمرة المعرفية للتحليل التفكيكي، والهوية المحدِدة له، وهو الأصل في الرصيد النقدي للطرح التفكيكي، لأنّ جميع إجراءات المسيرة النقدية للتفكيك تخضع لحضور الدوال وتغييب المدلول، فضلاً عن أنّ معطيات (الاختلاف، ونقد التمركز، ونظرية اللعب، والكتابة) تبرز فيها بشكل مباشر ثنائية الحضور والغياب، وقد انطلق دريدا من خلال هذه الثنائية ـ إلى جانب المعطيات السابقة ـ لنقد توجه الخطاب الفلسفيّ الغربيّ، وتقويض أُسسهِ من خلال كشف تناقضاته واللّعب بأنظمته وممارساته، وتحويل معادلته المعرفية من (ميتافيزيقيا الحضور) ـ حسب مصطلح دريداـ إلى غياب المعنى واختلافه وتعدده. إنّ المراهنة التفكيكية تتجه صوب (الغياب) انطلاقاً من كون المعنى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي غير مستقر، وغير محدد، ولذلك أسباب عديدة منها: انحدار النزعة الإنسانية وتلاشيها في أُطر التحليل المعاصر (الفلسفي، والنقدي)، وتعدد التحولات المعرفية القاضية بنشوء المذاهب والتيارات الجديدة المُحمّلة بالفكر والمعطى الثوري، فضلاً عن إثارة بعض النزاعات المعرفية والثقافية القاضية بطرح تظاهرات فكرية، ومعانٍ مختلفة، تقود إلى التحول والتناحر بين النصوص. فاللفظ / الصوت / الحضور يمثل عنده (امتياز الان – الحاضر – mainten ani present امتياز ((يحدد مبدأ الفكر الفلسفي ذاته .. ))، ان دريدا وفي اطار تفكيره ((قد افصح عن نوعية العلاقة القائمة دوماً بين الحضور او الوعي والصوت، وهي علاقة لم يغطي لها حتى هوسر لنفسه (آلا يتأسى امتياز الحضور أو الوعي والصوت، انها بديهية لم تحط ابداً باهتمام الفينومينولوجيا .. ).

يعد التفكيك أهم حركة ما بعد البنيوية في النقد الأدبي فضلاً عن كونها الحركة الأكثر إثارة للجدل أيضا .. ، ويستخدم التفكيك ((للدلالة على نمط من قراءة النصوص بنسف ادعاها المتضمن أنها تمتلك أساسا كافيا في النظام اللغوي الذي نستعمله، كي تُثبت بنيتها ووحدتها ومعانيها المحددة .. )).

ويعد دريدا الاسم الأكثر اقترانا بالتفكيك، فقد طرح آراءه في ثلاثة كتب نشرت في سنة 1967 وهي (حول علم القواعد) و (الكتابة والاختلاف) و (الكلام والظواهر) والمفهوم العام لهذه الكتب يدور على نفي التمركز المتمثل في الثقافة العربية، هذا النفي يعني نفي الحضور الذي يرى فيه دريدا انه (مدلول متجاوز)، ولذلك يبحث دريدا عن المنطوق او أفضلية الكلام على الحضور سعياً منه في قلب المعنى وإسقاطه من اللغة .. وقد طرح دريدا مصطلحات عدة في إثبات هذه الفكرة منها الاختلاف والارتجال والتقويض وهوة النص .. وغيرها من المصطلحات. ويبقى الدور المهم في عملية التفكيك هو القارئ الذي ((يحدث عنده المعنى ويُحدثَّه، ومن دون هذا الدور لا يوجد نص أو لغة أو علامة أو مؤلف ... ومن هنا فأن أي مناقشة للتفكيك لابد أن تبدأ بالقارئ، وتجربة القارئ التي لا يوجد قبل حدوثها شيء .. )) فالقارئ هو الذي يفكك النص ويعيد بناءه على وفق آليات تفكيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير