تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجدل وكتابة وآذان مصغية وأعناق ممدودة وأعين شاخصة في متحدث، وأخرى متوفزة للرد، وبحر من اللغة والعقيدة والجدل والمنطق والفقه والفلسفة. يمر بهم الزوار والسواح والمصلون ولا يلقون اهتماما لغير ما هم فيه. هذا في حرم المعصومة وعلى جوانب المسجد قاعات للمحاضرات أشبه بالفصول الدراسية المتوسطة بعضها يسع الثلاثين طالبا أو أكثر، وملاصق للقاعات من الخارج توجد المدرسة الفيضية الشهيرة التي كانت فيها أول شرارة لمعارضة الخميني وفيها قتل الطلاب المعتصمون عام 1964م.

في زاوية من المسجد يوجد قبر المعصومة، حيث تسكب الدموع، وتبذل الأموال، وهو قبر يطاف به، وقد جاءوا بجنازة ونحن هناك فطافوا بها على القبر، ثم أخرجوها للساحة وصلوا عليها، وقال زميلنا إنهم أعطوا مالا للإمام بعد أن صلى على الجنازة.

في إيران تشاهد حضور قصة المال في المزارات والمساجد بشكل ينتقص المظهر الإيماني للمسجد ودوره، حتى يكاد الدين أن يكون تبادلا ماليا، يشبه ما يحدث في الكنائس أو أكثر.

على مسافة قريبة، تقع مكتبة مرعشي الشهيرة غير بعيد عن المسجد وكانت مغلقة وقت مرورنا وهي من أهم مخازن المخطوطات التراثية الإسلامية في العالم، للمرجع الشهير الذي كان يجلب إليه المال والكتب من كل مكان. وبجانبها مكتبة لبيع الكتب وجدنا فيها قليلا من المنشورات والمجلات بالعربية، بعضها مطبوع في لبنان و البقية في إيران، وكالعادة تتوفر كتب الخميني وتراثه بالعربية وغيرها في أغلب المكتبات. وملاصق للمكتبة مؤسسة "تبليغات" للدعوة الدينية عبر العالم، ولكل منطقة مكتب يشرف على عمل الدعوة في بلد ولوحة على الباب تحدد إدارة الموقع، وكان المكان نظيفا ويبدو أن عمّاره من العلماء والدعاة، وقد صلينا معهم في المسجد العصر والظهر حين أغلقوا المكتبة للصلاة وهم يجمعون صلاتي الظهر والعصر بين الوقتين تقريبا.

وقد انقسمنا ما بين من يرى صحة الصلاة خلفهم أو يرى متابعة الإمام ومفارقته بالنية ومن لا يرى الصلاة معهم نهائيا، وأصبح كل منا مفتيا ولو لصلاة واحدة وفي النهاية انتهى الأمر بأن صلى إثنان معهم وخالف اثنان، وحمدنا الله على الوحدة الإسلامية حتى بيننا!

وغير بعيد من مكتبة المرعشي هناك بيت الخميني، بيت متواضع سكنه مدة سبع سنين إلى عام 1964 العام الذي أخرج فيه من إيران، بيت صغير متواضع، ولكنهم يعملون على تجديده ربما ليكون مزارا أو معلما سياحيا،.وكان القيّم على المكان يتحدث العربية، لقد كانت زيارة قم من أطرف ما في الرحلة، وكنت قرأت في أكثر من مصدر أن أصل سكانها من العرب، وكانت تتحدث العربية دهرا طويلا. ولعلها شاقت العرب فسكنوها لأنها جرداء وبعيدة عن الماء والثلج والأشجار.

ـ دور اللغة والحصار في تكوين دين قومي جديد:

لا يليق أن يستهين أحد بنتائج المقاطعة الغربية الطويلة لإيران، وإلزام العالم بما فيه المسلمون بحصارها، ذلك الحصار الذي لم ينجح في كسر شوكتها القومية ولا الدينية، فقد ساعدتها العزلة على تطوير نفسها في عالمها الخاص في كل شيء، خسرت كثيرا من الحصار، ولكنها في الوقت نفسه وبخليط من الدين والروحانية والقومية والثقة في النفس، ترعى أو تصنع تيارا متعاليا غاضبا يتزايد، قد تكون نتائجه وخيمة على الجوار كله، فالذين غسلوا عار 1953 بثورة 1979، لا يستبعد الإنسان انتقاما أوسع مستقبلا من الجيران والبعداء بسبب هذا الحصار الطويل.

وبما أن الجوار لا سياسة له من بلدانه، فإنه يجب أن يكون صريحا مع نفسه دائما، ويعلم أن الأجانب مهما أقاموا وابتزوا واحتلوا واغتصبوا فإنهم راحلون، وتبقى شعوب هذه المنطقة لزمن أطول فلا يغرسوا بذورا للأحقاد وللتدمير الذاتي، وليخففوا من ثقافة المحتلين التي تقوم دائما على قاعدتهم "فرق تسد" وهي تعني للمغلوبين "ميز تتدمر"، وليلمس جيرانهم منهم أنهم ليسو مصدر شر عليهم، بل احترام متبادل ونزع لكل عناصر التضييق والحصار، أو على الأقل لا تزرعوا في عقول الفرس أنكم مصدر البؤس والضيق في حياتهم، لا مصلحة لكم أن تزرعوا الحقد لتحصدوا الحرب، ومن أغراكم بالحصار سيقلب لكم مستقبلا ظهر المجن، فيتحصن ويترككم في العراء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير