فإذا كان الفعل الذي قبل حتى لايتطاول ولا يمتد، رفع الفعل المضارع بعدها وعلى ذلك فسرّ قوله تعالى: " وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ" (البقرة/ 214) فقال: "قرأها الفرّاء بالنصب إلا مجاهدا وبعض اهل المدينة فإنهما رفعاها. ولها وجهان في العربية: نصب ورفع، فالنصب فلأن الفعل الذي قبلها مما يتطاول كالتردد، فإذا كان الفعل على ذلك المعنى نُصِب بعده بحتَّى وهو في المعنى ماضٍ، فإذا كان الفعل الذي قبل حتى لايتطاول وهو ماضٍ رُفع الفعل بعد حتى إذا كان ماضيا" (1). واستشهد على النصب بقول امرئ القيس لإن الفعل قبل (حتى) مما يتطاول ويمتد.
ورواه الخليل بالرفع وقال فيه:" رفع (تكل) على معنى حتّى كلت، فكأنه صرف من النصب الى الرفع" (2)؛ لانه جعل معنى المضارع ماضياً وفي هذه الحالة يرفع المضارع بعدها فتكون (حتى) حرف ابتداء وليست حرف نصب.
ومن خلال ما قاله الفرّاء في نصب الفعل المضارع مع حتى، نجد أنه لم ينسب النصب الى حرف أو أداة غيرها فضلاً عن أن ذلك ظاهرُ أو مضمرُ معها. فلم يذكر معها (أن) مطلقاً، وهذا هو مذهب الكوفيين عامة. وكذلك تكون حرف خفض من غير تقدير حرف خفض معها عندهم، خلافاً للبصريين (3).
وارجع النحاة النصب والرفع معها الى جهة معناها، فإن كان المعنى منها هو الغاية، أي أن ما بعدها يكون غاية لما قبلها، نصبت الفعل المضارع بعدها على الغاية، وهذا ما يوضحه قول المبرد: "فمثل النصب قوله: سربت بهم حتى تكلَّ ... أي (الى أن)، ومثل الرفع تمام البيت وهو (حتى الحيادُ) (1). فمعنى (الى أن) هو معنى (حتى) وهو الغاية أي مشيت بهم الى أن بلغ ذلك كلال غزاتهم أو مطيهم على الرواية الاخرى للشاهد.
وهذا ما قاله السيرافي أيضاً: "أنه لما جاء بـ (حتى) التي تنصب ما بعدها وأراد أن يذكر بعدها ما لايجوز أن يعطف عليها جاء بـ (حتى) في الكلام الثاني وما بعد الأول منصوب لأنه غاية، والجملة الثانية مبتدأ وخبر و (حتى) التي هي غاية لا تدخل على المبتدأ والخبر فجاء بـ (حتى) التي ترفع مابعدها من الأفعال وتدخل على المبتدأ والخبر" (2).
فميّز السيرافي بين حتى التي ترفع الفعل وبين حتى التي تنصبه، فالتي تنصب على معنى الغاية، والتي ترفع تكون كالداخلة على المبتدأ والخبر، فحتى الاولى عنده ناصبة للفعل والثاني داخلة على المبتدأ والخبر أي بمعنى أنها ابتدائية لكلام جديد وهذا ما ذكره بقوله "والجملة الثانية) وكذلك قوله " ... من الافعال وتدخل على المبتدأ والخبر" بدليل أن صرّح بان العطف بينما لايجوز لأن الكلام يختلف فالاول جملة فعلية والثانية اسمية.
وقد فَصّلَ الفرّاء القول في وجهي الرفع والنصب بـ (حتى) فقال: "ولحتى ثلاثة معان في يفعل، وثلاثة معان في الأسماء. فإذا أرأيت قبلها فَعَلَ ماضيا وبعدها يفعل في معنى مُضىّ وليس ما قبل (حتى يفعل) يطول فارفع يْفِعل بعدها، كقولك جئت حتى اكونُ معك قريبا. وكان اكثر النحويين ينصبون الفعل بعد حتّى وإن كان ماضياً إذا كان لغير الأوّل، فيقولون: سرت حتى يدخَلها زيد، فزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: سرنا حتى تطلعُ لنا الشمس بزُبالة" (3)، فرفع والفعل للشمس، وسَمع: أنا جلوس فما نَشْعُرُ حتى يسقُط حَجَر بيننا، رفعاً" (4).
ومن ذلك ما أنشده الكسائي له:
وقد خُضن الهَجير وعُمْن حتى يفرّج ذاك عنهن المسَاَءُ (1)
فرفع في قوله (يفرّج)، ومن النصب قول الآخر وهو من انشاد الكسائي أيضاً:
ونُنكِر يوم الروع ألوان خيلِنا من الطعن حتى نحسب الَجْون أشقرا (2)
فقال الفرّاء فيه: "فنصب ها هنا؛ لأن الإنكار يتطاول. وهو الوجه الثاني من باب حتى وذلك أن يكون ما قبل حتى وما بعدها ماضيين، وهما مما يتطاول، فيكون يفعل فيه وهو ماضٍ في المعنى أحسنَ من فَعَلَ، فنصِب وهو ماضٍ لحُسْن يفعل فيه. قال الكسائي: سمعت العرب تقول: إنّ البعير ليهرمَ حتى يجعلَ إذا شرب الماء مجَّه. وهو أمر قد مضى، و (يجعل) فيه أحسن من (جعل). وإنما حسنت لأنها صفة في الواحد على معنى الجميع، معناه: إن هذا ليكون كثيراً في الإبل ... ومثله إنّ الرجل ليتعظم حتى يمرَّ فلا يسلم على الناس، فتنصب (يمرّ) لحسن يفعل فيه وهو ماض" (3).
والوجه الثاني في حتى عنده ما انشده ابو ثروان له (4):
أحِبّ لحِبّها السودان حتى أحِبَّ لحبّها سُودَ الكلابِ (5)
¥