تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فليس للشاعر غاية في النساء الحسان, فقد \نهنه\ النفس عنهن, ولو أن فعل \نهنه\ يعطيني انطباعا بأن فعله أقل شدة من الزجر, لأنه فيه رقة في اللفظ كأنه قول \نهٍ نهِ\ أي \ابتعد ابتعد\, والشاعر أبعد نفسه ونأى بها عن الحور \المنعمة\ الحسان (الصفة تتبع موصوفها في الجنس والعدد إذا كان جمع عاقل, فوجب القول: المنعمات)

و عاتبت الشباب على قواه تبدّدُ في مراوغة الغواني

شيئان هنا ليسا واضحين:

هل عتاب الشاعر لنفسه على ما مضى أو أو نهي عن فعل قبل وقوعه؟ من الأبيات السابقات أظن أنه عتاب على ماض وأفعال كان فيها الأنا ولا يريد العودة لها.

مراوغة الغواني: كلمة مراوغة, التي تعني الهروب بالحيلة, تدل على أن الشاعر كان في ماضيه "مطلوبا" فالحسان كن يطلبنه فبرواغهن, وهذا عكس المفهوم من البيت السابق وهو أن الشاعر نهنه نفسه عنهن أي أن نفسه كانت تطاوعهن, ولكن مهلا ... ففعل \راوغ\ في أصله يعني \المخادعة\ وبما أن الشاعر استعمل ألفاظ الشعر العربي القديم, فلنقصر ألفاظه على معانيها القديمة ونجردها مما أضيف إليها, مما يرجح صورة أن الشاعر كان يطلب الحسان ويخادعهن, ولا ندع الخيال يحملنا أبعد من ذلك ...

على لأيٍ زجرت القلب عنها و من يسطيع إذلال الجنانِ؟!

بعد الحديث عنهن بـ\هن\ هاهو الشاعر يتحدث الآن عن \هي\, واحدة اختصها من دون ما سبق من الحور المنعمات الحسان الغواني, أم أنها زلة نحوية من الشاعر؟

فالتخلي عنها وزجر القلب عن هواها لهما بالأمرين الصعبين, في قلب المحب, إذ لا يستطيع أي محب أن يفعل ذلكما إلا أن \يذل\ جنانه ويستخضع قلبه وهواه, غير أن كلمة \إذلال\ قاسية على قلب المحب, ولو قيل \تذليل\ بمعنى \ترويد وتخضيع\ لكان حسنا في معناه بدلا من \الذل\ الذي لا يستحقه الشاعر ولا القلب المحب.

غير أنه ليس واضحا أالسؤال في العجز توكيدي أم استدراكي. توكيدي بمعنى أن ما فعله الشاعر أمر صعب فمن يستطيعه من الناس؟ واستدراكي بمعنى أنه زجر القلب, لكنه لم يفلح في \تذليله\ وتخضيعه لما يريد لأن الأمر صعب ولا يستطيعه أي أحد, وأنا أميل إلى الرأي الثاني لأن في قادم القصيدة نرى أن الشاعر ما زال يتغنى بحبها ولم يدعه ويوضح ذلك بوصف جمالها وحسنها وميزاتها عن باقي النساء.

ولو أني ابتليت بذات لهوٍ تقذّر أن يلامسها بناني

قوي هذا البيت, لأن تعريف \ذات لهو\ أمر لابد من الوقوف عنده, ولعل المعنى الأرجح والذي لا يستقيم سياق القصيدة إلا به هو \ذات لهو غير جادة فيما تدعي من الهوى\ فيتعفف عنها الشاعر ولا يلامسها منه بنان أي إصبع.

ولكن معنى الملامسة, وهو الأمر الذي ينشده العشاق أبدا - ما عد العذريين منهم لأن استحالته جعلتهم يقنعون أنفسهم بعدم الرغبة فيه فاقتنعوا وسلموا -, ألا وهو الاتصال الجسدي بالمحبوب والذي هو ذروة الحب ومنتهاه ومفاضه.

ثم إن البنان \يتقذر\ من ملامسة هذا الصنف من النساء, والتقذر كلمة قوية, فالعفيف يتعفف ولا يتقذر, لأن التقذر يلزم منه قذارة الملموس, فهل ذوات اللهو قاذرات؟ أم هن بائعات هوى لا معطياته؟ ولا ندع الخيال يحملنا أبعد من ذلك ...

هناك مشكلة بين ما سبق من القصيدة وبين الآتي منها, وهي مشكلة أحسها في التسلسل المعنوي للأفكار,

مشكلة أحاول أن أوضحها في ما يلي:

1 - كان الأنا فيما مضى يتنعم بالحور الحسان

2 - ثم تاب ولملم شعثه وأصلح خالقه خلقه وشأنه

3 - وعاتب نفسه على الجهد الضائع في طلب النساء

4 - لكن واحدة من هؤلاء النساء بقي لها في القلب مكان

5 - (حاول استخراجها) استخرجها الشاعر من قلبه على لأي لأن ذلك ليس مقدورا عليه دائما

6 - ولماذا كل هذا الجهد والعذاب؟ لأنها ليست كباقي النساء اللاتي كان معهن,

7 - فهن كن ذوات لهو فتعفف الشاعر عنهن وتقذر من مجرد أن يلمسهن بنانه,

8 - إلا تلك الواحدة منهن احتلت جزءا من قلبه لم يستطع إخراجها منه

9 - وهذا يتعارض و مقدمة القصيدة التي يؤكد الشاعر فيها أن حاله انصلح ولم يعد له في النساء رغبة

10 - أم أن الحديث عن لملمة الشعث والانصلاح مجرد حديث عن النزول من الكثيرات إلى الواحدة

11 - وهذه هي المشكلة التي أتعبتني في فهم القصيدة.

و لكني ابتليت بذات خفرٍ تعطّرُ ليلَها سورُ القَُرانِ

تحذّر كل طرفٍ أجنبيٍّ تحذّر مطفلٍ من قرع شاني

لها نوران من حسنٍ ودينٍ يبدّدُ كل غاشيةٍ و رانِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير